أهله" أي عند معظمهم، لأن بعضهم قسموه إلى قسمين فقط، صحيح، وضعيف، كما بينتُهُ في "شرح ألفية الحديث" عند قولها:
وَالأَكْثَرُونَ قَسَّمُوا هَذِي السُّنَنْ ... إِلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ وَحَسَنْ
وقال الإمام أبو عيسى الترمذيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في "علله الصغير" الذي في آخر "الجامع": الحسن من الحديث ما ليس في إسناده من يُتّهم، وليس بشاذّ، وروي من غير وجه انتهى بتصرّف (١).
وقد أجاد الإمام الشافعيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في "الرسالة" حيث قال: ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا:
منها: أن يكون مَن حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلًا لِمَا يُحَدِّث به، عالمًا بما يُحِيل معاني الحديث من اللفظ، أو أن يكون ممن يُؤَدِّي الحديث بحروفه كما سمعه، لا يحدث به على المعنى؛ لأنه إذا حدث به على المعنى، وهو غير عالم بما يُحِيل به معناه، لم يَدْرِ لعله يُحِيل الحلال إلى حرام، وإذا أدّاه بحروفه، فلم يَبْقَ وجه يُخاف فيه إحالته الحديث، حافظا إذا حدث به من حفظه، حافظا لكتابه إذا حدث من كتابه، إذا شَرِكَ أهلَ الحفظ في حديث، وافق حديثهم، بَرِيئًا مَن أن يكون مدلسا، يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه، أو يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يحدث الثقات خلافه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه، حتى ينتهي بالحديث موصولا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو إلى من انتهى به إليه دونه؛ لأن كلّ واحد منهم مُثْبِتٌ لمن حدثه، ومثبت على من حدث عنه، فلا يَستغني كلّ واحد منهم عما وصفت.
قال: ومن كثر غلطه من المحدّثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يُقبل حديثه كما يكون من أكثر الغلط في الشهادات لم تُقبل شهادته.
قال: وأقبل الحديث: حدّثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلّسًا. ومن عرفناه دلّس مرّةً، فقد أبان لنا عورته في روايته، وليست تلك العورة بكذب، فيُردّ بها حديثه، ولا على النصيحة في الصدق، فيُقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق، فقلنا: ولا نقبل من مدلّس حديثًا حتّى يقول: حدّثني، أو سمعت.
قال الحافظ ابن رجب رَحِمَهُ اللهُ تعالى شارحًا لكلام الإمام الشافعيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى هذا.
فقد تضمّن كلامه رَحِمَهُ اللهُ أن الحديث لا يُحتجّ به حتى يَجمع رواته من أولهم إلى آخرهم شُرُوطًا:
(١) "العلل الصغير" ٥/ ٧٥٨.