وعدل الرواية أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلًا، سليمًا من أسباب الفسق وخوارم المروءة.
وانما قيّد بقوله: "في الحديث"؛ لأن العدالة في الشهادة تخالفها في بعض الوجوه، كاشتراط الحرّيّة، والذكورة، على ما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى- عند قول المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "والخبر، وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه الخ"، فأراد أن يُبيّن أن المراد به هنا عدالة الرواية. والله تعالى أعلم.
(وَإِتْقَانٍ) بالجرّ عطفًا على "استقامة"، وهو بكسر الهمزة، مصدر أتقن رباعيّا، يقال: أتقن الشيء: إذا أحكمه، والإتقان: الإحكام للأشياء، وفي التنزيل العزيز: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} الآية، ورجلٌ تِقْنٌ -بكسر، فسكون- وتَقِنٌ -بفتح، فكسر: مُتقنٌ للأشياء، حاذقٌ، ورجلٌ تِقْنٌ: حاضر المنطق والجواب، وتِقْنٌ اسم رجل كان جيّد الرمي، يُضرَب به المثلُ، ولم يكن يَسْقُط له سهمٌ، قال الراجز:
لأَكْلَةٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنِ ... وَشَرْبَتَانِ مِنْ عَكِيّ (١) الضَّأْنِ
أَلْيَنُ مَسًّا فِي حَوَيَا الْبَطْنِ ... مِنْ يَثْرِبِيَّاتٍ (٢) قِذَاذٍ خُشْنِ
يَرْمِي بِهَا أَرْمَى مِنِ ابْنِ تِقْنِ
قال أبو منصور: الأصل في التِّقْنِ ابن تِقْنٍ هذا، ثم قيل لكل حاذق بالأشياء تِقْنٌ، ومنه يقال: أتقن فلانٌ عمله. أفاده في "لسان العرب" (٣).
وقوله: (لِمَا نَقَلُوا) متعلّقٌ بـ "إتقان": أي لكونهم أهل إحكام لمرويّاتهم.
وأراد المصنّف رَحِمَهُ اللهَ تعالى بالإتقان معنى الضبط الذي هو الشرط الثاني في قبول خبر الراوي.
وقد فسّر غيره الضبط بأن يكون متيقّظًا، غير غافل، حافظًا إن حدّث من حفظه، ضابطًا لكتابه من التبديل والتغيير، إن حدّث منه، عالمًا بما يُحيل المعنى إن روى بالمعنى.
وإلى هذين الشرطين وتفسيرهما أشار السيوطيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في "ألفية الحديث"، حيث قال:
(١) "الْعَكِيُّ" كغنيّ: اللبن المحض، ووَطْبُهُ. انتهى "ق".
(٢) "اليثربيّات": أي السهام التي تُعمل بيثريب، وهو اسم للمدينة قبل الإسلام. و"القذاذ" بالكسر جمع قُذّة بالضمّ: رِيشُ السهم.
(٣) راجع "لسان العرب" في مادّة "تقن" ١٣/ ٧٣.