ابن لهيعة: كان أبو الأسود يعجب من حديث هشام، عن أبيه، وربما مكث سنة لا يكلمه، قال أبو الأسود: لم يكن أحد يرفع حديث أم زرع غيره. وقال أبو الحسن بن القطان: تغير قبل موته، قال الحافظ: ولم نر له في ذلك سلفا. روى له الجماعة، له في "صحيح مسلم" مائة وخمسة وثمانون حديثًا.
(وَحَدِيثُهُمَا) أي حديث الزهريّ، وهشام (عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا عَلَى الإِتِّفَاقِ مِنْهُمْ فِي أَكْثَرِهِ) يعني أن أصحاب الزهريّ، وهشام رووا أكثر أحاديثهما، متّفقين، أي ورووا ما عداه مختلفين، والمراد أن أحاديثهما كلها معلومة، مدونة عند أصحابهما، أكثرها بالإتفاق، وأقلها بالإختلاف (فَيَرْوِي) ذلك العامد (عَنْهُمَا) أي عن الزهريّ، وهشام (أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ) أي المتعدّد منه (مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا) المراد أصحابهما الذين سبق ذكرهم آنفًا بأنهم رووا عنهما على الإتفاق في أكثره (وَلَيْسَ) ذلك الراوي (مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ) أي شارك أصحابهما المعروفين (فِي الصَّحِيحِ) أي في رواية الحديث الصحيح (مِمَّا عِنْدَهُمْ) أي من الأحاديث التي رووها اتفاقًا، واختلافا (فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ) أي الصنف (مِنَ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ) المراد بالناس رواة الأخبار، فهو عامّ، أريد به خاصّ، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} الآية، في قول مجاهد، ومقاتل، وعكرمة، والكلبيّ، قالوا: هو نعيم بن مسعود الأشجعيّ، وكقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية، قال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما: يعني النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. وقيل: غير ذلك في الآيتين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
مسائل تتعلّق بكلام المصنّف رحمه الله تعالى المذكور:
المسألة الأولى: أن كلامه رحمه الله تعالى يفيد أن رواة الأخبار، ونُقّال الآثار على أربعة أقسام:
الأول: الثقات المتقنون الذين يندُر غلطهم، فلا يوجد في رواياتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش، فهؤلاء هم الذين اعتمد عليهم، وبنى كتابه على رواياتهم، فجعلها أصولًا، وجعل روايات من بعدهم تابعة لها.
الثاني: أهل الصدق، والستر، وهؤلاء هم الذين يذكر أحاديثهم على سبيل المتابعة، والشواهد لروايات الصنف الأول.
الثالث: المتّهمون بوضع الأحاديث، فهؤلاء لا يتشاغل برواياتهم أصلًا.
الرابع: من غلب على حديثه المنكر والغلط، وهؤلاء حكمهم حكم الصنف الثالث، وهذا المذهب الذي سلكه المصنّف رحمه الله تعالى في ترك الرواية عن القسمين