صومه ... وسئل عن صوم يوم الاثنين؟ قال -رضي الله عنه-: "ذاك يوم وُلدت فيه، ويوم بُعِثتُ"، قال مسلم: وفي هذا الحديث من رواية شعبة قال: وسُئل عن صوم يوم الاثنين والخميس؟ فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وَهْمًا. انتهى. فقد بيّن رحمه الله تعالى أن ذكر "الخميس" غلط من شعبة، فتركه لذلك، وروى الحديث من رواية أبان العطّار، ومهديّ ابن ميمون كلاهما عن غيلان بن جرير شيخ شعبة فيه، وليس فيه ذكر "الخميس" (١). والله تعالى أعلم.
ومنها: ما يكون بيانه العلة عن طريق الإشارة، مثل ما أخرجه من طريق هشيم، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد الأنصاريّ، قال: قال أبو قتادة، واقتصّ الحديث، فقد جرى ههنا على خلاف عادته، من إخراج الحديث التامّ أوّلًا، ثم عطف باقي الأحاديث التي في معناه عليه، وإشارته إلى ما فيها من الزيادة والنقص، فلم يسُق المتن هنا، بل اكتفى بقوله: "واقتصّ الحديث"، إشارة إلى أن له علّةً.
وقد بيّن هذا البيهقيّ رحمه الله تعالى حيث أخرج الحديث من طريق هُشيم، وفيه: "من أقام البيّنة على أسيرٍ فله سَلَبه"، قال: والحفّاظ يرونه خطأ، فمالك بن أنس، والليث ابن سعد روياه عن يحيى، فقال الليث في الحديث: "من أقام البيّنة على قتيل، فله سلبه"، وقال مالك: "من قتل قتيلًا، له عليه بيّنةٌ، فله سلَبه"، ولم يقُل أحدٌ فيه: "على أسير" غير هُشيم، وبيّن البيهقيّ صنيع مسلم في هذا الحديث، فقال: فقد أخرج مسلم إسناد هذا الحديث في "الصحيح"، ولم يسُق متنه.
ومنها: ما أخرجه من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع: ذُكر لابن عمر عُمرةُ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من الجعرانة، قال: "لم يعتمر منها" (٢)، وقد خفيت هذه العمرة على ابن عمر لأسباب ذكرها الحافظ في "الفتح" (٣)، وقد صحّ أنه -صلى الله عليه وسلم- اعتمر منها، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، فقد أجاد مسلم رحمه الله في صنيعه حيث لم يسق المتن إشارة إلى كونه معلًّا، فلله درّه.
ومنها: ما أخرجه من طرق عن الزهريّ، عن سعيد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- رفعه: " ... فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا" (٤) ومن بين هذه الطرق طريق ابن عيينة، وقد ابتدأ بسردها، ثم سرد غيرها، ولم يذكر لفظ ابن عيينة؛ لأن الصحيح في رواية
(١) راجع "صحيح مسلم" ٢/ ٨١٩ - ٨٢٠ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
(٢) راجع "صحيح مسلم" ٣/ ١٢٧٨ رقم ١٦٥٦.
(٣) راجع "الفتح" ٨/ ٣٥ و ٦/ ٢٥٣ و ٣/ ٦٠٠.
(٤) "صحيح مسلم" ١/ ٤٢٠ - ٤٢١ رقم ٦٠٢.