بصحته، من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، لما ألزمته الطلاق، ولا حَنَّثْتُهُ؛ لإجماع علماء المسلمين على صحتهما.
قال أبو عمرو: ولقائل أن يقول في قوله: ولا حنثته؛ للإجماع على صحتهما: إنه لا يحنث ولو لم يُجْمَع على صحتهما؛ لأجل الشك فيه، حتى لو حلف بذلك في حديث ليس بهذه الصفة، فإنه لا يحنث؛ لذلك، وإن كان راويه فاسقا، فعدم الحنث حاصل قبل الإجماع، فلا يضاف إلى الإجماع.
فأقول: المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا، والثابت عند الشك، وعدمِ الإجماع هو الحكم ظاهرا بعدم الحنث، مع احتمال وجوده في الباطن، فعلى هذا ينبغي أن يُحمَل كلام إمام الحرمين، فإنه اللائق بتحقيقه. والله أعلم.
إذا عرفت هذا فما أُخذ على البخاري ومسلم من ذلك وقَدَح فيه مُعْتَمَدٌ من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه؛ لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول، وما ذلك إلا في مواضع قليلة. انتهى كلام أبي عمرو (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: سيأتي بيان الخلاف في عدد تلك الأحاديث، والجواب عنها قريبًا، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم.
وقال أبو عمرو أيضًا في "جزء له": ما اتّفق عليه البخاريّ ومسلم على إخراجه، فهو مقطوع بصدق مخبِره، ثابتٌ يقينًا؛ لتلقّي الأمة ذلك بالقبول، وذلك يُفيد العلم النظريّ، وهو في إفادة العلم كالمتواتر، إلا أن المتواتر يفيد العلم الضروريّ، وتلقّي الأمة بالقبول يُفيد العلم النظريّ، وقد اتّفقت الأمة على أن ما اتفق البخاري ومسلم على صحته، فهو حقّ وصدق.
وقال في "علوم الحديث": وقد كنت أميل إلى أن ما اتفقا عليه فهو مظنون، وأحسبه مذهبا قويا، وقد بان لي الآن أنه ليس كذلك، وأن الصواب أنه يفيد العلم. انتهى كلام أبي عمرو رحمه الله تعالى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تعقّب النوويّ كلام ابن الصلاح المذكور، فقال: وهذا الذي ذكره الشيخ في هذه المواضع خلاف ما قاله المحققون والأكثرون، فإنهم قالوا: أحاديث "الصحيحين" التي ليست بمتواترة، إنما تفيد الظن، فإنها آحاد، والآحاد إنما تفيد الظن على ما تقرر، ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك، وتلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما، وهذا متفق عليه، فإن أخبار الآحاد
(١) "صيانة صحيح مسلم" ص ٨٦.