والتعريف الحسن الجامع: أنه هو الذي يلزم من العلم، أو الظنّ به العلمُ، أو الظنّ بتحقّق شيء آخر. و "أو" هنا للتبيين: أي كل واحد دليل، كما يقال: الإنسان إما عالم أو جاهل، لا للتشكيك. انتهى المقصود من كلام الكفوي باختصار (١).
(عَلَى أَنَّ الَّذِي قُلْنَا) أي قلناه، فحذف مفعوله؛ لكونه فضلة، قال في "الخلاصة":
..................... ... وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلِي
فِي عَائِدٍ مُتَّصِلٍ إِنِ انْتَصَبْ ... بِفِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ كضمَنْ نَرْجُو يَهَبْ
وقال أيضًا:
وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لم يَضِرْ ... كَحَذْفِ مَا سِيقَ جَوَابًا أَوْ حُصِرْ
(مِنْ هَذَا هُوَ اللَّازِمُ) الإشارة إلى ما سبق له آنفًا من قوله: "أن الوِاجب على كلّ أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها"، الى آخر كلامه (دُونَ مَا خَالَفَهُ) أي وهو رواية ما كان من أهل التهم والمعاندين من أهل البدع (قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ}) الفسوق: الخروج من الشيء، يقال: فسقت الرطبة عن قشرها، ومن مقلوبه فقست البيضة: إذا كسرتها، وأخرجت ما فيها، ومن مقلوبه أيضًا: فقست الشيء: إذا أخرجته من يد مالكه مغتصبًا له عليه، ثم استعمل في الخروج عن القصد بركوب الكبائر. قاله النسفي (٢).
وقال الفيّومي: فسق فُسوقًا، من باب قعد: خرج عن الطاعة، والاسم الفِسق، ويَفْسِق بالكسر لغة حكاها الأخفش، فهو فاسق، والجمع فُسّاق، وفَسَقَة. قال ابن الأعرابيّ: ولم يسمع فاسق في كلام الجاهليّة، مع أنه عربيّ فصيح، ونطق به الكتاب العزيز. ويقال: أصله خروج الشيء من الشيء على وجه الفساد، يقال: فَسَقَت الرُّطَبَة: إذا خرجت من قشرها، وكذلك كلّ شيء خرج عن قشره، فقد فسق. قاله السَّرَقُسْطيّ. وقيل للحيوان الخمس: فواسق؛ استعارة، وامتهانًا لهنّ؛ لكثرة خبثهنّ وأذاهنّ حتى قيلْ يُقتَلن في الحلّ والحرم، وفي الصلاة، ولا تبطل الصلاة بذلك. انتهى (٣).
(بِنَبَإٍ) أي خبر (فَتَبَيَّنُوا) من التبيّن: أي تحقّقوا صدقه من كذبه، وقرأ حمزة والكسائيّ: "فتثبّوا" من التثبّت.
وقال النسفي رحمه اللهُ تعالى: "فتبيّنوا": فتوقّفوا فيه، وتطلّبوا بيان الأمر، وانكشاف الحقيقة، ولا تعتمدوا قول الفاسق؛ لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه. وفي الآية دلالة قبول خبر الواحد العدل؛ لأنا لو توقّفنا في
(١) انظر "الكليات" لأبي البقاء الكفوي ص ٤٣٩ - ٤٤٠.
(٢) "تفسير النسفي" ٤/ ١٦٨.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٤٧٣.