المنذر بن شاذان التمار، عن محمد بن سابق به. انتهى كلام ابن كثير (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): فيما يتعلق بالآية الثانية، وهي قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} الآية البقرة: ٢٨٢:
قال أبو عبد الله القرطبي رحمه اللهُ تعالى في "تفسيره" ٣/ ٣٩٥:
دلّ قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} على أن في الشهود من لا يُرضَى، فيجيء من ذلك أن الناس ليسوا محمولين على العدالة حتى تثبت لهم، وذلك معنى زائد على الإسلام، وهذا قول الجمهور.
وقال أبو حنيفة: كل مسلم ظاهر الإسلام، مع السلامة من فسق ظاهر، فهو عدل، وإن كان مجهول الحال، وقال شريح، وعثمان الْبَتّيّ، وأبو ثور: هم عدول المسلمين، وإن كانوا عبيدا. فعمموا الحكم، ويلزم منه قبول شهادة البدوي على القروي، إذا كان عدلا مرضيا، وبه قال الشافعي، ومن وافقه، وهو من رجالنا وأهل ديننا، وكونه بدويا ككونه من بلد آخر، والعمومات في القرآن الدالة على قبول شهادة العدول تسوي بين البدوي والقروي، قال الله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، وقال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، فمنكم خطاب للمسلمين، وهذا يقتضي قطعا أن يكون معنى العدالة زائدا على الإسلام ضرورة؛ لأن الصفة زائدة على الموصوف، وكذلك {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ} مثله، خلاف ما قاله أبو حنيفة، ثم لا يعلم كونه مرضيا حتى يُختبر حاله، فيلزمه أن لا يُكتفَى بظاهر الإسلام.
وذهب أحمد بن حنبل، ومالك في رواية ابن وهب عنه إلى رد شهادة البدوي على القروي؛ لحديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية (٢) "، والصحيح جواز شهادته إذا كان عدلا مرضيا.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه مالك وأحمد رحمهما الله تعالى من ردّ شهادة البدويّ على القروي هو الأرجح؛ لصحة حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المذكور. والله تعالى أعلم.
قال القرطبي: قال علماؤنا -يعني المالكية-: العدالة هي الاعتدال في الأحوال الدينية، وذلك يتم بأن يكون مجتنبا للكبائر، محافظا على مروءته، وعلى ترك الصغائر،
(١) "تفسير ابن كثير" ٤/ ٢٠٩.
(٢) حديث صحيح، أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والحاكم. انظر "صحيح الجامع الصغير" ٢/ ١٢١٢ رقم ٧٢٣٥.