قول ما ذهب إليه أحمد، والحميديّ، والصيرفيّ، والسمعانيّ من عدم قبول توبة الكاذب في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تغليظًا، وزجرًا هو الذي لا يتّجه عندي غيره؛ لوضوح حجته، كما سبق في تحقيقه رحمهُ اللهُ تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة السادسة: في حكم رواية الحديث الموضوع
قال في "تدريب الراوي": ما حاصله: تحرم رواية الموضوع مع العلم بوضعه، وكذا مع الظنّ مطلقًا، في أي معنى كان، سواء الأحكام، والقِصص، والترغيب، وغيرها، إلا مقرونًا ببيان وضعه، لما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث المغيرة بن شعبة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "من حدّث عنّي بحديث يُرى أنه كذبٌ، فهو أحد الكاذبين". وقوله: "يُرى" بضم الياء بمعنى يظنّ، وفي "الكاذبين" روايتان، فتح الموحّدة، على إرادة التثنية، وكسرها على إرادة الجمع.
وقال النوويّ رحمهُ اللهُ تعالى في "شرحه": يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا، أو غلب على ظنه وضعه، فمن رَوَى حديثا عَلِم، أو ظن وضعه، ولم يُبَيِّن حال روايته وضعه، فهو داخل في هذا الوعيد، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويدل عليه أيضا الحديث السابق: "من حدث عني بحديث يُرَى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". انتهى (١).
وإلى هذا أشرت في منظومتي المذكورة، حيث قلت:
وَالْخَبَرُ الْمَوْضُوعُ يَحْرُمُ لِمَنْ ... يَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ وَهَنْ
بِسَنَدٍ أَوْ لَا لأيِّ مَعْنَى ... إِلَّا إِذَا بَيَّنَهُ فَأَغْنَى
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة السابعة: في كيفيّة رواية الحديث:
اعلم: أنه ينبغي -كما قال العلماء رحمهم الله تعالى- لمن أراد رواية حديث، أو ذكره أن ينظر، فإن كان صحيحا أو حسنا، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، أو فعله، أو نحو ذلك من صيغ الجزم، وإن كان ضعيفا، فلا يَقُل: قال، أو فعل، أو أمر، أو نهى، وشِبْهَ ذلك من صيغ الجزم، بل يقول: رُوي عنه كذا، أو جاء عنه كذا، أو يُروَى، أو يُذكَر، أو يُحكَى، أو يقال، أو بلغنا، وما أشبه. قاله النوويّ رحمهُ اللهُ تعالى في "شرحه" (٢).
وإلى هذه القاعدة أشار السيوطيّ رحمهُ اللهُ تعالى في "ألفيّة الحديث"، حيث قال:
(١) "شرح مسلم" ١/ ٧١.
(٢) "شرح مسلم" ١/ ٧١.