أَقُولُ وَقَدْ صَاحَ ابْنُ دَايَةَ غَدْوَةً ... بِبُعْدِ النَّوَى لا أَخْطَأَتْكَ الشَّبَائِكُ
قال القاضي البيضاويّ في "تفسيره" في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} الآية البقرة: ١٨٥: ما نصّه: "رمضان" مصدر رَمض: إذا احترق، فأضيف إليه "شهر"، وجُعل علمًا، ومنع من الصرف للعلميّة والألف والنون، كما مُنع "داية" في "ابن داية" علما للغراب؛ للعلمية والتأنيث. انتهى "تحفة الأحوذيّ" ١/ ٣٢.
الثاني: قال العلامة المباركفوريّ رحمهُ اللهُ تعالى: قد تفوّه بعض الفقهاء الحنفيّة بأن أبا هريرة لم يكن فقيها، وقوله هذا باطل، مردود عليهم، وقد صرّح أجلّة العلماء الحنفية بأنه -رضي الله عنه- كان فقيهًا، قال صاحب "السعاوية شرح الوقاية": وهو من العلماء الحنفيّة ردّا على من قال منهم: إن أبا هريرة غير فقيه ما لفظه: كون أبي هريرة غير فقيه، غير صحيح، بل الصحيح أنه من الفقهاء الذين كانوا يُفتون في زمان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كما صرّح به ابن الهمام في "تحرير الأصول"، وابن حجر في "الإصابة". انتهى.
وفي بعض حواشي "نور الأنوار" أن أبا هريرة كان فقيها، صرّح به ابن الهمام في "التحرير"، كيف وهو لا يعمل بفتوى غيره؟ وكان يفتي في زمن الصحابة، وكان يعارض أجلة الصحابة، كابن عباس، فإنه قال: إن عدة الحامل المتوفّى عنها زوجها أبعد الأجلين، فرده أبو هريرة، وأفتى بأن عدتها وضع الحمل، كذا قيل. انتهى.
وقال الحافظ الذهبيّ رحمهُ اللهُ تعالى في "التذكرة": أبو هريرة الدوسي اليمانيّ الفقيه، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كان من أوعية العلم، ومن كبار أئمة الفتوى، مع الجلالة، والعبادة، والتواضع. انتهى.
وقال ابن القيّم في "إعلام الموقّعين": ثم قام بالفتوى بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بَرْكُ الإسلام (١)، وعصابة الإيمان، وعسكر القرآن، وجند الرحمن، أولئك أصحابه -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا بين مكثر منها، ومقلّ، ومتوسّط، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم-.
والمتوسطون منهم فيما رُوي عنهم من الفتيا: أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس ابن مالك، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو هريرة ... الخ، فلا شك في أن أبا هريرة كان فقيها من فقهاء الصحابة، ومن كبار أئمة الفتوى.
(١) برك الجمل: بفتح، فسكون: صدره، والمراد به هنا صدر الإسلام، أي متقدّمو الإسلام، ورؤساؤه.