معين بناءٌ على منع الرواية بالمعنى، فأما على جوازها فلا فرق، وكان جماعة من العلماء يحتاطون في مثل هذا، فإذا أرادوا رواية مثل هذا، أورد أحدهم الإسناد الثاني، ثم يقول: مثل حديث قبله، متنُهُ كذا، ثم يسوقه، واختار الخطيب هذا، ولا شك في حسنه. قاله النوويّ رحمهُ اللهُ تعالى في مقدّمة "شرحه" لهذا الكتاب (١)، وإلى هذا أشار السيوطيّ رحمهُ اللهُ تعالى في "الألفية" المذكورة، بقوله:
وَلَوْ رَوَى بِسَنَدٍ مَتْنًا وَقَدْ ... جَدَّدَ إِسْنَادًا وَمَتْنٌ لَمْ يُعَدْ
بَلْ قَالَ فِيهِ "نَحْوَه" أَوْ "مِثْلَهُ" ... لَا تَرْوِ بَالثَّانِي حَدِيثًا قَبْلَهُ
وَقِيلَ جَازَ إِنْ يَكُنْ مَنْ يَرْوِهِ ... ذَا مَيْزَةٍ وَقِيلَ لَا فِي "نَحْوِهِ
وَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ مِثْلُ خَبَرِ ... قَبْلُ وَمَتْنُهُ كَذَا فَلْيَذْكُرِ (٢)
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): في بيان حكم ما إذا اختصر الشيخ الحديث بذكر طرف منه، ثم قال: "وذكر الحديث"، أو نحوه
(اعلم): أنه إذا ذكر الإسناد، وطرفا من المتن، ثم قال: "وذكر الحديث"، أو قال: "واقتص الحديث"، أو قال: "الحديث"، أو ما أشبهه، فأراد السامع أن يروي عنه الحديث بكماله، فطريقه أن يقتصر على ما ذكره الشيخ، ثم يقول: والحديث بطوله كذا، ويسوقه إلى آخره، فإن أراد أن يرويه مطلقا، ولا يفعل ما ذكرناه، فهو أولى بالمنع مما سبق في "مثله"، و "نحوه"، وممن نَصّ على منعه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراينيّ الشافعيّ، وأجازه أبو بكر الإسماعيليّ بشرط أن يكون السامع والمسمِع عارفين ذلك الحديث. ذكره النوويّ رحمهُ اللهُ تعالى في "شرحه" (٣). وإلى هذا أشار السيوطيّ رحمهُ اللهُ تعالى بقوله:
وَإِنْ بِبَعْضِهِ أَتَى وَقَوْلِهِ ... "وَذَكَرَ الْحَدِيثَ" أَوْ "بِطُولِهِ"
فَلَا تُتِمَّهُ وَقِيلَ جَازَا ... إِنْ يَعْرِفَا وَقِيلَ إِنْ أَجَازَا
وَقُلْ عَلَى الأَوَّلِ "قَالَ وَذَكَرْ ... حَدِيثَهُ وَهْوَ كَذَا" وَائْتِ الْخَبَرْ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(١) "شرح مسلم" ١/ ٣٧.
(٢) قبل هذا البيت البيت الذي تقدّم "الحاكم اخصص الخ"، أسقطته لتقدّمه، ولأن الأولى كان أن يذكره بعد هذا، فليُتأمّل.
(٣) "مقدّمة شرح صحيح مسلم" ١/ ٣٧.