اللذين احتج بهما الألباني، وهما طريق معاذ بن معاذ، وعبد الرحمن بن مهديّ ليس فيهما ذكر "أبي هريرة"، بل الحديث مرسلٌ، فما قاله أبو داود رحمهُ اللهُ تعالى من تفرّد عليّ بن حفص بالوصل هو الحقّ، وهو أيضًا مقتضى كلام الحاكم المذكور آنفًا. فتبصّر بالإنصاف، ولا تتهوَّر بالاعتساف. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): في فوائده
(منها): الزجر عن التحديث بكّل ما سمع الإنسان، فإنه يسمع الصدق والكذب، فإذا حدّث بكل ما سمع، فقد كذب؛ لإخباره بما لم يكن. (ومنها): أن التوقّي، والتحفّظ عن التكلّم بكلّ ما عند الإنسان من علامة الصالحين المطيعين. (ومنها): أن الورع يكون من القول كما يكون من الفعل، بل هو أشدّ؛ لما أخرجه أحمد، والترمذيّ، واللفظ له، وابن ماجه، من حديث معاذ -رضي الله عنه- الطويل، مرفوعًا، وفيه: "ألا أخبرك بِمِلاك ذلك كله؟ " قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال: "كف عليك هذا"، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثَكِلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم"، أو "على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
٨ - (وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِمِثْلِ ذَلِكَ).
رجال هذا الإسناد: ستة:
١ - (أبو بكر بن أبي شيبة) هو عبد الله بن محمد، تقدّم في ١/ ٢.
٢ - (عليّ بن حفص) أبو الحسن المدائنيّ، نزيل بغداد.
رَوَى عن حريز بن عثمان، وعكرمة بن عمار، وإبراهيم بن عبد الله بن الحارث ابن حاطب الجمحي، والثوري، وشعبة، وورقاء بن عمر، ومحمد بن طلحة بن مصرف، وسليمان بن المغيرة، وأبي معشر المدني، وغيرهم.
ورَوَى عنه أحمد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة، ومحمد بن الحسين بن إشكاب، ومحمد بن عبد الله بن أبي الثلج، وحجاج بن الشاعر، ومحمد بن عبيد الله ابن المنادي، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، ومحمد ابن إسماعيل ابن علية، وآخرون.
قال الْمَرُّوذي، عن أحمد: علي بن حفص أحب إلي من شبابة. وقال ابن المنادي: ثنا علي أبو بكر بن حفص، وكان أحمد يحبه حبا شديدا. وقال ابن الجنيد عن ابن معين: شبابة، وعلي بن حفص ثقتان. وقال عثمان بن سعيد، عن ابن معين: ليس به بأس، وكذا قال النسائي. وقال ابن المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو