بوجوه التجريح لم نستفسره، وإلا استفسرناه، وهو في الشهادة أضيق، إذ قد يُجَرَّحُ الشاهد، وإن كان مجرّحه بصيرًا بوجوه التجريح بما يعتقده جرحةً، ولعلّ الحاكم لا يراه؛ لاختلاف الاجتهاد. أما الخبر إذا أَطْلَق عارفٌ بصيرٌ فيه بالجرح، فقد عُدمت به الثقة. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأصحّ قبول الجرح والتعديل المجملين من عالم بصير بأسبابهما، ما لم يوثّق من جُرح مجملًا، فلا يُقبل الجرح حينئذ إلا مفسّرًا، قال الحافظ السيوطيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في "ألفيّة الأثر":
........................... ... وَالْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ مُطْلَقًا رَأَوْا
قَبُولَهُ مِنْ عَالِم عَلَى الأَصَحّ ... مَا لم يُوَثَّقْ مَنْ بِإِجْمَالٍ جُرِحْ
وسيأتي تمام البحث في هذه المسألة إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
٣٩ - (وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ، يَقُولُ: سُئِلَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ حَدِيثٍ لِشَهْرٍ، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى أُسْكُفَّةِ الْبَابِ، فَقَالَ: إنَّ شَهْرًا نَزَكُوهُ، إِنَّ شَهْرًا نَزَكُوهُ، قَالَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللهُ: يَقُولُ: أَخَذَتْهُ أَلْسِنَةُ النَّاسِ، تَكَلَّمُوا فِيهِ).
رجال هذا الإسناد: ثلاثة:
١ - (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ) بن يحيى بن بُرْد اليشكري مولاهم، أبو قدامة السَّرَخْسِيُّ الحافظ، نزيل نيسابور.
رَوَى عن عبد الله بن نمير، وابن عيينة، وحماد بن زيد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرَّحمن بن مهدي، ووكيع، والنضر بن شُميل، وخلق كثير. وروى عنه الشيخان، والنسائي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والذهلي، وخلق كثير.
قال أبو حاتم: كان من الثقات. وقال أبو داود: ثقة. وقال النسائي: ثقة مأمون، قَلَّ من كتبنا عنه مثله. وقال إبراهيم بن أبي طالب: ما قَدِمَ علينا أثبت منه، ولا أتقن. ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال هو الذي أظهر السنة بِسَرَخْسَ، ودعا إليها. ذكر الحاكم في "تاريخه" عن محمد بن موسى الباشاني، عن محمد بن شعيب، قال: رأيت يحيى بن يحيى، سمع من أبي قُدَامة، وعن محمد بن عبد السلام قال: رأيت إسحاق ابن راهويه، يَسْأَل أبا قُدَامة عن أحاديث، فكتبها بيده. قال: وقرأت بخط أبي عمرو
(١) "إكمال المعلم" ١/ ١٣٠ - ١٣٢.