قال الجامع عفا الله تعالى عنه: يزاد على هذا من يروي عن كلّ من دبّ ودرج؛ تحسينًا للظنّ بكلّ من قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
والحاصل أنهم على ثلاثة أقسام: قسم: أخذ عن الثقات، لكنه غلبت عليه العبادة، فاشتغل بها عن حفظ الأحاديث، فكثر الوهم في حديثه. وقسم: غلب عليه الجهل، فكان يتعبّد بوضع الأحاديث؛ ترغيبًا للناس إلى الخير، وترهيبًا لهم عن الشرّ. وقسم: غلب عليه حسن الظنّ بالناس، فكان يروي عن كلّ من دبّ ودرج، فكلّ من سمعه يحدّث عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أخذ عنه، سواء كان ثقةً، أم لا؛ تحسينًا للظنّ. وإلى ما تقدّم أشرت في "شافية الغُلل" بقولي:
ثُمَّ الَّذِينَ اشْتَغَلُوا بِالطَّاعَةِ ... وَلَا يُبَالُونَ لَدَى الرِّوَايَةِ
قِسْمَانِ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مُهْمِلَا ... لِحِفْظِهِ فَذَا يَكُونُ مُهْمَلَا
لِكَثْرَةِ الْوَهْمِ بِرَفْعِ مَا وُقِفْ ... وَوَصْلِ مُرْسَلٍ فَبِئْسَمَا وُصِفْ
مِثْلُ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشِ ... كَذَا يَزِيدُ أَقْصِدُ الرَّقَاشِي
كَذَاكَ عَبَّادٌ وَهَى وَجَعْفَرُ ... وَالْحَسَنُ الْجُفْرِيُّ أَيْضًا يُذْكَرُ
وَابْنُ مُحَرَّرٍ كَذَا رِشْدِينُ ... كَذَا أَبُو مُقَاتِلٍ يَمِينُ
وَغَيْرُ هَؤُلَا مِنَ الْعَبَدَةِ ... قَدْ ضَيَّعُوا الأَخْبَارَ بِالْعِبَادَةِ
وَمِنْهُمُ مَنْ كَانَ قَدْ تَعَبَّدَا ... بِالْوَضْعِ قَدْ ضَلَّ وَبَاءَ بِالرَّدَى
كَأَحْمَدَ بْنِ غَالِبٍ ذِي الْوَضْعِ ... وَزَكَرِيَّا نَجْلِ يَحْيَى الْبِدْعِي
وَمِنْهُمُ مَنْ ظَنَّهُ قَدْ أَحْسَنَا ... بِكُلِّ مَنْ حَدَّثَهُ فَافْتَتَنَا
بِحَمْلِهِ الْحَدِيثَ عَنْ كُلِّ أَحَدْ ... ثِقَةً أَوْ كَانَ بِوَضْعِهِ مَرَدْ
فَكُلُّهُمْ فِي الْحُكْمِ قُلْ سَوَاءُ ... فَاحْذَرْهُمُ فَإِنَّهُمْ غُثَاءُ (١)
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمه الله تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
٤٥ - (حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خَلِيفَةُ ابْنُ مُوسَى، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَيَّ: حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، فَأَخَذَهُ الْبَوْلُ، فَقَامَ، فَنَظَرْتُ فِي الْكُرَّاسَةِ، فَإِذَا فِيهَا: حَدَّثَنِي أَبَانٌ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَبَانٌ، عَنْ فُلَانٍ، فَتَرَكْتُهُ، وَقُمْتُ).
(١) الأبيات الثلاثة الأخيرة زوائد على ما في الألفيّة تميمًا للأقسام، فافهم.