وهي تُبقِي الكلام على ما هو عليه من إيجاب، أو نفيٍ؛ لأنها وُضعت لتصديق ما تقدّم من غير أن ترفع النفي، وتُبطله، فإذا قال القائل: ما جاء زيد، ولم يكن قد جاء، وقلت في جوابه: نعم، كان التقدير: نعم ما جاء، فصدّقت الكلام على نفيه، ولم تُبطل النفي كما تُبطله "بلى"، وإن كان قد جاء، قلت في الجواب: بلى، والمعنى: قد جاء، فنعم تُبقي النفي على حاله، ولا تبطله، وفي التنزيل: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} الأعراف: ٧٢، ولو قالوا: نعم كان كفرًا؛ إذ معناه: نعم لست ربنا؛ لأنها لا تزيل النفي، بخلاف "بلى"، فإنها للإيجاب بعد النفي. انتهى كلام الفيّوميّ (١).
والمعنى هنا: نعم لقيته. (شَيْخٌ) خبر لمحذوف: أي هو شيخ (طَوِيلُ السُّكُوتِ) أي لا يكثر الكلام (يُصِرُّ) بضمّ أوله، من الإصرار، يقال: أصرّ على فعله بالألف: إذا داومه، ولازمه، وأصرّ عليه: إذا عزم. قاله الفيّوميّ (عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ) أي وهو الإيمان بالرجعة، والغلوّ في التشيّع، كما سبق في ترجمته. والمعنى: أنه لا يتوب عن عقيدته الفاسدة، بل هو ملازم لها، ومداوم عليها. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
٦٦ - (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: ذَكَرَ أَيُّوبُ رَجُلًا يَوْمًا، فَقَالَ: لم يَكُنْ بِمُسْتَقِيمِ اللِّسَانِ، وَذَكَرَ آخَرَ، فَقَالَ: هُوَ يَزِيدُ فِي الرَّقْمِ).
رجال هذا الإسناد: ثلاثة:
١ - (أحمد بن إبراهيم الدَّوْرقيّ) هو: أحمد بن إبراهيم بن كثير بن زيد الدَّوْرَقي النُّكْريّ، أبو عبد الله البغدادي.
روى عن حفص بن غياث، وجرير، وهشيم، وابن مهديّ، وغيرهم. وروى عنه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وبَقِيّ بن مَخْلَد، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ويعقوب بن شيبة، وغيرهم.
قال أبو حاتم: صدوق. وقال العقيلي: ثقة. وقال الخليلي في "الإرشاد": ثقة، متفق عليه. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال صالح جزرة: كان أحمد أكثرهما حديثًا وأعلمهما بالحديث، وكان يعقوب -يعني أخاه- أسندهما، وكانا جميعا ثقتين، كان مولد أحمد سنة (١٦٨) ومات في شعبان سنة (٢٤٦). وله في "صحيح مسلم" تسعة أحاديث.
(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦١٤.