على تكذيب عبد الكريم ليس كافيًا، إلا بانضمام قرائن خارجيّة، فإن مثل هذا لو وُجد من ثقة حافظ لقُبل منه حملًا على أنه سمعه من الشيخ، ثم نسيه، فلما سأل من سمعه من ذلك تذكّره، فجعل يحدّث به من الشيخ، لكن لما ثبت عند أيوب كذب عبد الكريم بقرائن أخرى، ضمّ إليها هذا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
٦٩ - (حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى، فَجَعَلَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ: كَذَبَ، مَا سَمِعَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَائِلًا، يَتَكَفَّفُ النَّاسَ زَمَنَ طَاعُونِ الْجَارِفِ).
رجال هذا الإسناد: ثلاثة:
١ - (الفضل بن سهل) الأعرج البغداديّ، خراسانيّ الأصل، ثقة تقدّم في ٤/ ٤١.
٢ - (عفّان بن مسلم) الصفّار البصريّ الثقة الثبت، تقدّم في ٤/ ٢٤.
٣ - (همّام) بن يحيى بن دينار الأزدي الْعَوْذي الْمُحَلِّمِيّ (١) مولاهم، أبو عبد الله، ويقال: أبو بكر البصري.
رَوَى عن عطاء بن أبي رباح، وإسحاق بن أبي طلحة، وزيد بن أسلم، وأبي جمرة الضبعي، وقتادة، وغيرهم. ورَوَى عنه الثوري، وابن المبارك، وابن علية، وعفّان، وغيرهم.
قال عُمَر بن شَبّةَ عن عفان: كان يحيى بن سعيد يَعتَرض على همام في كثير من حديثه، فلما قَدِم معاذ نظرنا في كتبه، فوجدناه يوافق هماما في كثير مما كان يحيى ينكره، فكفّ يحيى بعدُ عنه. وقال أحمد بن سنان عن يزيد بن هارون: كان همام قويا في الحديث. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: همام ثبت في كل المشايخ. وقال الأثرم عن أحمد: كان عبد الرحمن يرضاه. وقال أبو حاتم عن أحمد: سمعت ابن مهدي يقول: همام عندي في الصدق مثل ابن أبي عروبة. وقال ابن مُحْرِز عن أحمد: همام ثقة، وهو أثبت من أبان العطار في يحيى بن أبي كثير. وقال الدُّوري عن ابن معين: كان يحيى بن سعيد يروي عن أبان، ولا يروي عن همام، وهمام عندنا أفضل من أبان.
(١) "العوذيّ" -بفتح العين المهملة، وسكون الواو، وكسر الذال المعجمة-: نسبة إلى عَوْذ بطن من الأزد. قاله في "اللبّ" ٢/ ١٢٣. و"الْمُحَلّميّ" -بضم الميم، وفتح الحاء المهملة، وتشديد اللام المكسورة-: نسبة إلى مُحَلِّم بن ذُهل بن شيبان. قاله في "الأنساب" ٥/ ٢١٦.