ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا، فَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا كَانَ سَائِلًا قَبْلَ الْجَارِفِ، لَا يَعْرِضُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ، فَوَاللهِ مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً، وَلَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ بَدْرِيِّ مُشَافَهَةً، إِلَّا عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ).
رجال هذا الإسناد: ثلاثة:
١ - (الحسن بن عليّ الْحُلْوَانيّ) نزيل مكة الحافظ الثبت، تقدّم في ٣/ ٢٢.
٢ - (يزيد بن هارون) أبو خالد الواسطيّ الثقة الحافظ، تقدّم في ٤/ ٤٣.
٣ - (همّام) بن يحيى الْعَوذيّ المذكور في السند الماضي. والله تعالى أعلم.
شرح الأثر
عن همّام بن يحيى، أنه (قَالَ: دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى عَلَى قَتَادَةَ) بن دِعامة (فَلَمَّا قَامَ) أي خرج من عند قتادة (قَالُوا) أي الناس الحاضرون (إِنَّ هَذَا) أي أبا داود الأعمى (يَزْعُمُ) بضم العين المهملة، من باب نصر، وفي "الزعم" ثلاث لغات: فتح الزاي للحجاز، وضمّها لأسد، وكسرها لبعض قيس. قال الأزهريّ: أكثر ما يكون الزعم فيما يُشكّ فيه، ولا يَتَحَقّق. وقال بعضهم: هو كناية عن الكذب. وقال المرزوقيّ: أكثر ما يُستعمل فيما كان باطلًا، أو فيه ارتياب. وقال ابن الْقُوطيّة: زَعَمَ زعمًا: قال خبرًا لا يُدرى أحقٌّ هو أو باطلٌ. قال الخطّابيّ: ولهذا قيل: زعم مطيّة الكذب (١). ويُطلق الزعم بمعنى القول، ومنه: زعمت الحنفيّة كذا: أي قالت، ومنه قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ} الآية الإسراء: ٩٢: أي كما أخبرت. ويُطلق على الظنّ، يقال: في زعمي كذا، وعلى الاعتقاد: ومنه قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} الآية التغابن: ٧. أفاده الفيّوميّ (٢).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: المعنى المناسب هنا هو ما قاله ابن الْقُوطيّة: أي إنه يقول قولًا لا ندري، أحقٌّ هو أم لا؟ . والله تعالى أعلم.
(أَنَّهُ لَقِيَ) بكسر القاف، من باب علم (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا) أي ثمانية عشر صحابيّا، حضروا غزوة بدر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت في رمضان من السنة الثانية من الهجرة، وقصّتها مشهورة (فَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا) يعني أبا داود الأعمى (كَانَ سَائِلًا قَبْلَ الْجَارِفِ) لا ينافي هذا قوله في الرواية الماضية: "كان سائلا زمن طاعون الجارف"؛ لأن المقصود
(١) حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه" من حديث حذيفة رضي الله عنه، بلفظ. "بئس مطيّة الرجل زعموا". راجع "صحيح الجامع الصغير" للشيخ الألباني رحمه الله تعالى ١/ ٥٤٧ رقم (٢٨٤٦).
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٢٥٣.