"الثقات": كان من سادات التابعين فقهًا ودينًا وورعًا وعبادة وفضلًا، وكان أفقه أهل الحجاز، وأعبر الناس لرؤيا، ما نودي بالصلاة من أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد، فلما بايع عبد الملك للوليد وسليمان، وأَبَى سعيد ذلك فضربه، هشام بن إسماعيل المخزومي ثلاثين سوطًا، وألبسه ثيابا من شعر، وأمر به فطيف به، ثم سُجِن.
قال الواقدي: مات سنة أربع وتسعين، في خلافة الوليد، وهو ابن خمس وسبعين سنة. وقال أبو نعيم: مات سنة ثلاث وتسعين.
وقال في "التقريب": أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، من كبار الثانية (١)، اتفقوا على أن مرسلاته أصحّ المراسيل، وقال ابن المدينيّ: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه. انتهى.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم" (١٤٣) حديثًا.
تنبيه: المسيب والد سعيد صحابيّ مشهور، -رضي الله عنه-، وهو بكسر الياء، وفتحها، والكسر أولى، وإن كان الفتح هو المشهور، فقد حكى صاحب "مطالع الأنوار" عن عليّ بن المديني أنه قال: أهل العراق يفتحون الياء، وأهل المدينة يكسرونها، قال: وحُكي أن سعيدا كان يكره الفتح. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: كسر الياء هو الأولى؛ لأن أهل المدينة أدرى بضبط أسماء أهل بلدهم، ولأنه روي عنه الكراهة للفتح، وحُكي أيضًا أنه دعا على من فتحه. والله تعالى أعلم.
وإلى جواز الوجهين أشار الحافظ السيوطيّ رحمهُ اللهُ تعالى في "ألفية الأثر"، حيث قال:
كُلُّ مُسَيَّبٍ فَبِالْفَتْحِ سِوَى ... أَبِي سَعِيدٍ فَلِوَجْهيْنِ حَوَى
وقلت في ترجيح الكسر مذيّلًا لكلامه:
قُلْتُ وَكَسْرُهُ أَحَقُّ إِذْ أَتَى ... أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِهِ فَثَبَتَا
وَعَنْ سَعِيدٍ كُرْهُهُ الْفَتْحَ وَرَدْ ... بَلْ قِيلَ قَدْ دَعَا عَلَى مَنِ اعْتَمَدْ
فَابْعُدْ عَنِ الْفَتْحِ تَكُنْ مُجَانِبَا ... دُعَاءَهُ وَنِعْمَ ذَاكَ مَطْلَبَا
(١) هكذا في نسخ "التقريب" "من كبار الثانية"، والظاهر أنه من كبار الثالثة، كما لا يخفى؛ لأنه وُلِد لسنتين مضتا من خلافة عمر -رضي الله عنه- ولم يسمع من بلال، ومن زيد بن ثابت، ولا من عمرو بن العاص، ولا من عبد الله بن زيد صاحب الأذان، ولا من عتّاب بن أَسِيد -رضي الله عنه-، واختُلف في سماعه من عمر -رضي الله عنه-، فمثل هذا يكون من كبار الطبقة الثالثة، لا من كبار الطبقة الثانية، فتبصّر. والله تعالى أعلم.