يقول: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب، فإنها مناكير، وعامّتها عن الضعفاء. قال أبو بكر الخطيب: أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب عليهم كَتْبُ الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من رواية المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مُجتنبًا، والثابت مَصدوفًا عنه مُطّرحًا، وذلك لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلّهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلّمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدّثين، والأعلام من أسلافنا الماضين.
قال ابن رجب: وهذا الذي ذكره الخطيب حقّ، ونجد كثيرًا ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح، كالكتب الستة، ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزّار، ومعاجم الطبرانيّ، أو أفراد الدارقطنيّ، وهي مجمع الغرائب والمناكير. انتهى كلام ابن رجب رحمهُ اللهُ تعالى (١). وهو بحثٌ نفيس جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
٧٥ - (وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدٍ - يَعْنِي حَمَّادًا- قَالَ: قِيلَ لِأَيُّوبَ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ، رَوَى عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَا يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ، فَقَالَ: كَذَبَ، أَنَا سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ).
رجال هذا الإسناد: ثلاثة:
١ - (حجاج بن الشاعر) هو ابن يوسف الثقفيّ البغداديّ الحافظ، تقدّم في ٤/ ٣٨.
٢ - (سليمان بن حرب) الأزديّ الواشحيّ البصريّ، قاضي مكة الحافظ الثقة، تقدّم في ٤/ ٦٥.
٣ - (حماد بن زيد) المذكور في السند الماضي. والله تعالى أعلم.
شرح الأثر
عن حمّاد بن زيد رحمهُ اللهُ تعالى، أنه (قَالَ: قِيلَ لِأَيُّوبَ) السختيانيّ رحمهُ اللهُ تعالى (إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ) بكسر همزة "إنّ"؛ لوقوعها في الابتداء (رَوَى عَنِ الْحَسَنِ) البصريّ، أنه
(١) راجع "شرح علل الترمذيّ" ١/ ٤٠٦ - ٤٠٩ بتحقيق الدكتور نور الدين عتر.