يصلح، أو يكون مبتدعًا، أو فاسقًا، ويرى من يتردّد إليه للعلم، ويخاف عليه عود الضرر من قِبَله ببيان حاله، ويلتحق بذلك المتساهل في الفتوى، أو التصنيف، أو الأحكام، أو الشهادات، أو النقل، أو المتساهل في ذكر العلماء، أو في الرشاء والارتشاء، إما بتعاطيه له، أو بإقراره عليه مع قدرته على منعه، وأكل أموال الناس بالحيل، والافتراء، أو الغاصب لكتب العلم من أربابها، أو المساجد بحيث تصير ملكًا، أو غير ذلك من الْمُحَرّمات، فكل ذلك جائزٌ، أو واجب ذكره؛ ليحذر ضرره. وكذا يجب ذكر المتجاهر بشيء مما ذُكر، ونحوه من باب أولى. قال شيخنا -يعني الحافظ ابن حجر-: ويتأكّد الذكر لكلّ هذا في حقّ المحدّث؛ لأن أصل وضع فنّه بيان الجرح والتعديل، فمن عابه بذكره لعيب المجاهر بالفسق، أو المتّصف بشيء مما ذُكر، فهو جاهل، أو ملبس، أو مشارك له في صفته، فيُخشى أن يسري إليه الوصف.
نعم لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد، فقد قال العزّ بن عبد السلام في "قواعده": إنه لا يجوز للشاهد أن يجرح بذنبين مهما أمكن الاكتفاء بأحدهما، فإن القدح إنما يجوز للضرورة، فليُقدَّر بقدرها، ووافقه عليه القرافيّ، وهو ظاهر. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن الجرح ليس خاصّا بالمتقدّمين، بل هو مشروع في المتأخرين أيضًا بحسب الحاجة إليه، وعلى قدر المصالح المترتّبة عليه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الحادية عشرة): في بيان مراتب ألفاظ الجرح والتعديل:
اعلم: أن مراتب التعديل ست:
(أولها): ما جاء بأفعل، كأوثق الناس، وأثبت الناس، ومنه قول هشام بن حسان: حدثني أصدق من أدركت من البشر، محمد بن سيرين. ومنه إليه المنتهى في الثبّت، ولا أعرف له نظيرًا في الدنيا، وفلان لا يُسأَل عنه، ومن مثل فلان؟ .
(ثانيها): ما كُرّر من ألفاظ المرتبة الثالثة، لفظًا، كثقة ثقة، ثبت ثبت، أو معنى، كثقة حجة، ثقة مأمون، أو عدل ضابط.
(ثالثها): ثقة، أو ثبت، أو كأنه مصحف، أو متقنٌ، أو حجة، أو حافظ، أو ضابط.
(رابعها): ليس به بأس، أو لا بأس به، أو صدوقٌ، أو مأمون، أو خيارٌ.
(خامسها): محله الصدق، رووا عنه، إلى الصدق ما هو؟ ، شيخ وسط، أو
(١) "فتح المغيث" ٤/ ٣٦٣ - ٣٦٤.