غير عارف بأحكام أفعال المكلّفين، وما به يكون العدل عدلًا، والفاسق فاسقًا، فذلك إنما يكمل له المكلّف، وأيضًا فلكونه غير مكلّف لا يؤمن منه تفسيق العدل، وتعديل الفاسق، ولا كذلك المرأة والعبد فافترق الأمر فيهما. قاله الخطيب. (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما سبق أن الراجح قبول تزكية الواحد مطلقًا، ذكرًا كان أو أنثى، حرّا كان أو عبدًا؛ لوضوح أدلّته.
وإلى ما ذُكر أشار السيوطيّ -رحمه اللهُ تعالى- في "ألفية الحديث" حيث قال:
وَاثْنَانِ مَنْ زَكَّاهُ عَدْلٌ وَالأَصَحّ ... إِنْ عَدَّلَ الْوَاحِدُ يَكْفِي أَوْ جَرَحْ
وقال أيضًا:
وَيُقْبَلُ التَّعْدِيلُ مِنْ عَبْدٍ وَمِنْ ... أُنْثَى وَفِي الأُنْثَى خِلَافٌ قَدْ زُكِنْ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة عشرة): في اختلاف أهل العلم في تعارض الجرح والتعديل، أيهما يُقدّم؟ :
(اعلم): أنهم اختلفوا فيما إذا اجتمع في شخص واحد جرح وتعديل على أقوال:
(الأول): أن الجرح مقدّم على التعديل مطلقًا، استوى الطرفان في العدد أم لا؟ . وإليه ذهب الجمهور، قال ابن الصلاح: إنه الصحيح، وكذا صححه الأصوليّون كالفخر الرازيّ والآمديّ، بل حكى الخطيب اتفاق أهل العلم عليه، إذا استوى العددان، وصنيع ابن الصلاح مشعر بذلك، وعليه يُحمل قول ابن عساكر: أجمع أهل العلم على تقديم قول من جرح راويًا على قول من عدّله، واقتضت حكاية الاتفاق في التساوي كون ذلك أولى فيما إذا زاد عدد الجارحين.
قال الخطيب: والعلّة في ذلك أن الجارح يُخبِر عن أمر باطنيّ قد عَلِمه، ويُصدّق المعدّل، ويقول له: قد علمتُ من حاله الظاهر ما علمتَهُ، وتفردتُّ بعلم لم تعلمه من اختبار أمره، يعني فمعه زيادة علم، قال: وإخبار المعدّل عن العدالة الظاهرة لا ينفي صدق قول الجارح فيما أخبر به، فوجب لذلك أنه يكون الجرح أولى من التعديل، وغاية قول المعدّل -كما قال العضد (٢) -: إنه لم يَعلَم فسقًا، ولم يظنّه، فظنّ عدالته؛
(١) "الكفاية" ص ٩٩ و"فتح المغيث" ٢/ ٩ - ١٠.
(٢) هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفّار عضد الدين الإيجيّ، كان إمامًا في المعقول، عالمًا بالأصول والمعاني والعربيّة، مشاركًا في الفنون. توفي سنة (٧٥٦ هـ) وأشهر كتبه في أصول الفقه "شرح مختصر ابن الحاجب". انظر "الطبقات الكبرى" للسبكيّ ١٠/ ٤٦ - ٤٨ و"الأعلام" للزركلي ٤/ ٦٦.