عن أبي (١). وقال الحافظ: يوجد في كلام الشافعي: أخبرني الثقة عن يحيى بن أبي كثير، والشافعي لم يأخذ عن أحد ممن أدرك يحيى بن أبي كثير، فَيُحْمَلُ على أنه أراد بسنده إلى يحيى، قال: وذكر عبد الله بن أحمد أن الشافعي إذا قال: أخبرنا الثقة، وذكر أحدًا من العراقيين، فهو يعني أباه. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة عشرة): في اختلاف أهل العلم في رواية العدل عمن سمّاه هل يكون تعديلًا أم لا؟ :
ذهب الأكثرون من أهل الحديث وغيرهم، وهو الصحيح أنه إذا روى العدل عمن سمّاه لا يكون تعديلًا له؛ لجواز رواية العدل عن غير العدل، فلم تتضمن روايته عنه تعديله، وقد رَوَينا عن الشعبي أنه قال: حدثنا الحارث، وأشهد بالله أنه كان كذابا، وروى الحاكم وغيره عن أحمد بن حنبل، أنه رأى يحيى بن معين، وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان، عن أنس، فإذا اطّلع عليه إنسان كتمه، فقال له أحمد: تكتب صحيفة معمر، عن أبان، عن أنس، وتعلم أنها موضوعة، فلو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان، ثم تكتب حديثه؟ ، فقال: يا أبا عبد الله أكتب هذه الصحيفة، فاحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة، حتى لا يجيء إنسان، فيجعل بدل أبان ثابتا، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس، فأقول له: كَذَبتَ، إنما هي عن معمر عن أبان، لا عن ثابت.
وذهب بعضهم إلى أنه تعديل له، إذ لو عَلِمَ فيه جرحًا لذَكَره، ولو لم يذكره لكان غاشا في الدين. حكاه جماعة منهم الخطيب، وكذا قال ابن المنيّر في "الكفيل": للتعديل قسمان: صريح، وغير صريح، فالصريح واضح، وغير الصريح كرواية العدل، وعمل العالم.
وردّه الخطيب بأنه قد لا يَعرِف عدالته ولا جرحه، كيف وقد وُجد جماعة من العدول الثقات رووا عن قوم أحاديث أمسكوا في بعضها عن ذكر أحوالهم مع علمهم بأنهم غير مرضيين، وفي بعضها شَهِدوا عليهم بالكذب.
وكذا خطّأه أبو بكر الصيرفي، وقال: لأن الرواية تعريف له، أي مطلق تعريف، يزول جهالة العين بها بشرطه، والعدالة بالخبرة، والرواية لا تدلّ على الخبرة.
وقد قال سفيان الثوريّ: إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه: فللحجة من
(١) قال الرافعيّ: وهذا في الكتب القديمة. انتهى. والمعنى أنه قصد الشافعي فقوله: الثقة أنه أخبره أحمد ابن حنبل.