مسعود، فقد أخرج الترمذيّ رحمه الله تعالى في "جامعه" بسند صحيح عن عمرو بن مرّة، قال: سألت أبا عُبيدة بن عبد الله، هل تذكر من عبد الله شيئًا؟ قال: لا. أو يذكر إمام مطّلع على أحوال الرجال أن فلانًا لم يلق فلانًا. وقوله: (أَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا) تقدّم أن "أو" بمعنى الواو؛ لأن احتجاج المصنّف رحمه الله تعالى ليس قاصرًا على من ادّعى اللقاء فقط، بل هو منصبّ على من ادّعى اللقاء والسماع.
(فَأَمَّا وَالْأَمْرُ مُبْهَمٌ) أي غير متّضح (عَلَى الْإِمْكَانِ الَّذِي فَسَّرْنَا) أي أوضحناه فيما سبق من الكلام، وهو كونهما في عصر واحد، مع جواز لقيّ أحدهما الآخر، ومشافهته، وإن لم يتحقّق ذلك بورود رواية تنصّ عليه. فجملة "والأمر مبهم" في محلّ نصب على الحال، وجواب "أما" قوله: (فَالرِّوَايَةُ) أي رواية الرجل الثقة عن مثله، فـ "أل" للعهد كما سبق، وهو مبتدأ خبره قوله: (عَلَى السَّمَاعِ) أي محمولة على أن الراوي الثقة سمع تلك الرواية من الثقة الذي أسندها إليه بـ "عن". وقوله (أَبَدًا) ظرف متعلّق بما تعلّق به الخبر، وأتى به لإفادة التوكيد (حَتَّى تَكُونَ الدَّلَالَةُ الَّتِي بَيَّنَّا) أي حتى يوجد الدليل الذي أوضحه بقوله: "إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه".
تنبيه: قول المصنّف رحمه الله تعالى: "فأما والأمر مبهم، على الإمكان الذي فسّرنا، فالرواية إلخ" مشكلٌ؛ لأنه قد سبق لنا عند قول المصنّف: "أما بعد" أنه يجب الفصل بين "أما" والفاء بواحد من ستّة أمور لا بأكثر منه، وهي المجموعة في قول بعضهم:
وَبَعْدَ "أَمَّا" فَافْصِلَنْ بِوَاحِدِ ... مِنْ ستَّةٍ وَلَا تَفُهْ بِزَائِدِ
مُبْتَدَأٌ وَالشَّرْطُ ثُمَّ الْخَبَرُ ... مَعْمُولُ فِعْلٍ بَعْدَ "أَمَّا" يُذْكَرُ
كَذَاكَ مَعْمُولٌ لِفِعْلٍ فَسَّرَهْ ... مَا بَعْدَ فَاءٍ بَعْدَهَا مُؤَخَّرَهْ
وَالظَّرْفُ وَالْمَجْرُورُ تِلْكَ سِتُّ ... قَدْ قَالَهَا كُلُّ إِمَامٍ ثَبْتُ
وليس كلام المصنّف من ذلك؛ لأنه فصل بينهما بأكثر من واحد؛ لأن قوله: "والأمر مبهم الخ" جملة من مبتدإ وخبر.
إلا أن يُجاب بأن الجملة الاسميّة في محل نصب على الحال، والجملة الحاليّة في قوة المفرد؛ لأن قولك: جاء زيد يركب، في تقدير راكبًا، وهو في معنى الجارّ المجرور؛ إذ معنى "راكبًا": في حال ركوبه، كما قال في "الخلاصة":
الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ ... مُفْهِمُ "فِي حَالٍ" كَفَرْدًا أَذْهَبُ
فيكون تقدير كلامه: فأما في حال إبهام الأمر. وأما قوله: "على الإمكان الخ"