تنبيه: قال النوويّ رحمه الله تعالى في "شرحه": هذه الرواية اجتمع فيها أربعة من التابعين، يروي بعضهم عن بعض، أولهم يحيى بن أبي كثير، وهذا من أطرف الطُّرَف، وأغرب لطائف الاسناد، ولهذا نظائر قليلة في الكتاب وغيره، سيمر بك -إن شاء الله تعالى- ما تيسر منها، وقد جمعت جملة منها في أول شرح "صحيح البخاري" رحمه الله، وقد تقدم التنبيه على هذا.
وفي هذا الإسناد لطيفة أخرى، وهو أنه من رواية الأكابر عن الأصاغر، فإن أبا سلمة من كبار التابعين، وعمر بن عبد العزيز من أصاغرهم سِنّا، وإن كان من كبارهم علمًا وقدرًا ودينًا وورعًا وزهدًا، وغير ذلك. انتهى (١).
(أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ) أي عروة (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُقَبِّلُهَا) أي عائشة -رضي الله عنها- (وَهُوَ صَائِمٌ).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: غرض المصنّف رحمه الله تعالى بهذا تقوية ما سبق له من إلزام خصمه بأن اللقاء، بل السماع لا ينفي الإرسال، فقد أرسل أبو سلمة هذا الحديث في الرواية الأولى بإسقاط واسطتين، وهما عُمر بن عبد العزيز، وعروة، كما بينته الرواية الثانية، فإذا كان الأمر كذلك فإن المعاصرة بشرطها السابق كافية للحكم بالاتصال. هذا خلاصة ما أشار إليه المصنّف رحمه الله تعالى.
وقد تعقّبه ابن رُشيد رحمه الله، ونصّ عبارته:
ثم قلت: ورَوَى الزهري، وصالح بن أبي حسان، عن أبي سلمة، عن عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقبل وهو صائم"، فقال يحيى بن أبي كثير في هذا الخبر في القبلة: أخبرني أبو سلمة، أن عمر بن عبد العزيز أخبره، أن عروة أخبره، أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان يقبلها وهو صائم".
فزاد يحيى -كما تراه- في الإسناد رجلين نَصّا على الإخبار، فاعتمدت في كتابك على حديث يحيى بن أبي كثير؛ لأنه زاد في الإسناد، والحكم عندك لمن زاد، ولسنا نُسَلّم ذلك، فإن أبا سلمة معلوم السماع من عائشة -رضي الله عنها-، والزهري ويحيى إمامان، وصالح بن أبي حسان صالح للمتابعة والاعتبار، وهو معلوم السماع من أبي سلمة، وسعيد بن المسيب، ذكر سماعه منهما البخاري فيما حكاه القاضي أبو الفضل (٢) وغيره، فتَقَوَّى به جانب الزهري.
(١) "شرح مسلم" ١/ ١٣٥ - ١٣٦.
(٢) يعني القاضي عياضًا، في "إكمال المعلم"، ونصّ عبارة البخاريّ في "التاريخ الكبير" ٤/ ٢٧٥: صالح ابن أبي حسّان سمع سعيد بن المسيّب، وأبا سلمة. انتهى.