روايته عنه غير هذا، وتحققه أن الثقات حدّثت به عنه.
وطبقة أخرى جاؤوا إلى رجال مشاهير ثقات أئمة سمعوا حديثهم، وجرت بينهم مباعدة حملتهم على إبهامهم، وأن لا يصرّحوا بأسمائهم المشهورة، ولم تحملهم ديانتهم على ترك الحديث عنهم، كما صنع البخاريّ في حديثه عن محمد بن يحيى الذهليّ، لِمَا جرى بينه وبينه، فمرّةً تجده يقول: حدّثنا محمد لا يزيد، وثانيةً يقول: ثنا محمد بن خالد، ينسبُهُ إلى الجدّ الأعلى، ومرّةً يقول: ثنا محمد بن عبد الله ينسبه إلى جدّه الأدنى.
وطبقةٌ أخرى رووا الحديث عن ضعيف، أو مجهول عن الشيخ، فسكتوا عنه، واقتصروا على ذكر الشيخ، إذ عُرف سماعهم منه لغير هذا الحديث.
وطبقة أخرى رووا عن ضعفاء لهم أسماء، أو كنى مشهورة عُرِفوا بها، فلو صرّحوا بأسمائهم المشهورة، أو كناهم المعلومة لم يُشتغَل بحديثهم، فأتوا بالاسم الخامل مكان الكنية المشهورة، أو بالكنية المجهولة عوضَ الاسم المعلوم؛ ليُبهِموا الأمر، ولئلا يُعرَف ذلك الراوي وضعفه، فيُزهدهم في حديثهم.
وطبقة أخرى رووا عن ضعيف له كنية ٌيُشاركه فيها رجل مقبول الحديث، وقد حدّث عنهما جميعًا، فيُطلق الحديث بالكنية لِيُدخِل الإشكال، ويقع على السامع اللبس، ويظُنّ أنه ذلك القويّ.
وهذه الطرق كلّها غير الأولين رديئة، قد أضرّت بأصحابها، وسبّبت الوقوف في كثير من أحاديثهم إلا ما صرّح به الثقات منهم بالسماع عن الثقات، ونَصّوا عليه وبيّنوه، ولهذا ما وقفوا فيما دلّسه الأعمش لروايته عن الضعفاء، وفيما دلّسه بقيّة بن الوليد؛ لخلطه الأسماء والكنى، ولم يَسْتَرِبُوا فيما دلّسه ابن عُيينة والثوريّ، وضُرباؤهما ممن لا يروي إلا عن ثقة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ذكره الثوريّ فيمن لا يروي إلا عن ثقة، غير صحيح، فإنه مشهور بالرواية عن الضعفاء، مثل الكلبيّ وغيره، وأما ابن عيينة، وإن روى عن غير ثقة، إلا أنه اشتهر أنه لا يدلّس إلا عن ثقة، حتى ادّعى ابن حبّان أنه لا يوجد ذلك لغيره، فتبصّر. والله تعالى أعلم.
قال: واختَلَف أئمة الحديث في قبول حديث من عُرف بالتدليس إذا لم ينُصّ على سماعه، فجمهورهم على قبول حديث من عُرف منهم أنه لا يروي إلا عن ثقة، كما قالوا في حديث من عُلم أنه لا يُرسل إلا عن ثقة، وعلى ترك حديث المسامحين في