وكذلك اختلف أصحاب دواد فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا فَرْضٌ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ جَمِيعًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمَضْمَضَةَ سُنَّةٌ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَرْضٌ
وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَنْ دَاوُدَ وَأَصْحَابِهِ
وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ سُنَّةٌ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَاجِبٌ قَالَا مَنْ تَرَكَ الِاسْتِنْشَاقَ وَصَلَّى أَعَادَ وَمَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ لَمْ يُعِدْ
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ وَعِنْدَ أَصْحَابِ دَاوُدَ أَيْضًا مِثْلُهُ
وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَفِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) النِّسَاءِ ٤٣
كَمَا قَالَ فِي الْوُضُوءِ (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الْمَائِدَةِ ٦
فَمَا وَجَبَ فِي الْوَاحِدِ مِنَ الْغُسْلِ وَجَبَ فِي الْآخَرِ
وَلَمْ يَحْفَظْ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي وُضُوئِهِ وَلَا غُسْلِهِ لِلْجَنَابَةِ وَهُوَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُرَادَهُ
وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ بِقَوْلِهِ (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ مَعَ غَسْلِ سَائِرِ الْوَجْهِ
وَحُجَّةُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ الْمَضْمَضَةَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا وَأَفْعَالُهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ
وَفَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الِاسْتِنْثَارَ وَأَمَرَ بِهِ وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ إِلَّا أَنْ يَسْتَبِينَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُرَادِهِ
وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمْ فِي ذَلِكَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اعْتِلَالَاتٌ وَتَرْجِيحَاتٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا
وَأَمَّا غَسْلُ الْوَجْهِ ثَلَاثَةً عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا فَهُوَ الْكَمَالُ وَالْغَسْلَةُ الْوَاحِدَةُ إِذَا أَوْعَبَتْ تُجْزِئُ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثَةً
وَهَذَا أَكْثَرُ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَلَقَّتِ الْجَمَاعَةُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالتَّخْيِيرِ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ إِلَّا إِنْ ثَبَتَ أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَسْخٌ لِغَيْرِهِ فَقِفْ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ فِيهِ
قال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَوْقِيتٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) وَلَمْ يُوَقِّتْ