وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ
(لَمَّا رَأَى لُبَدَ النُّسُورِ تَطَايَرَتْ ... رَفَعَ الْقَوَادِمَ كَالْفَقِيرِ الْأَعْزَلِ)
أَيْ لَمْ يُطِقِ الطَّيَرَانَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنِ انْقَطَعَ صُلْبُهُ ولصق بالأرض
قالوا وَهَذَا هُوَ شَدِيدُ الْمَسْكَنَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (أو مسكينا ذا متربة) الْبَلَدِ ١٦ يَعْنِي مِسْكِينًا قَدْ لَصِقَ بِالتُّرَابِ مِنْ شِدَّةِ الْفَقْرِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِسْكِينًا فَلَيْسَ ذَا مَتْرَبَةٍ مِثْلَ الطَّوَّافِ وَشِبْهِهِ مِمَّنْ لَهُ الْبُلْغَةُ وَالسَّاعِي فِي الِاكْتِسَابِ بِالسُّؤَالِ
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ
وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُمُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ إِنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَإِنِ افْتَرَقَا فِي الِاسْمِ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بن الْقَاسِمِ وَسَائِرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) التَّوْبَةِ ٦٠
وَأَمَّا أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ فِي هَذَا الْبَابِ
وَذَكَرَ بن وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرْنَا أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ عَنِ بن عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ عُمَرُ لَيْسَ الْفَقِيرُ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَكِنَّ الْفَقِيرَ الْأَخْلَقُ الْكَسْبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ بَيَّنَّا فِي التَّمْهِيدِ مِثْلَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ عَلَيْكُمْ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ لَيْسَ الْمِسْكِينُ حَقَّ الْمِسْكِينِ وَأَنَّ مِنَ الْمَسَاكِينِ مَنْ لَيْسَ بِطَوَّافٍ وَأَوْضَحْنَا هُنَاكَ هَذَا الْمَعْنَى بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ