خَرَجَ مِنْ نَجَسٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْإِنْسَانِ لَا يُفْطِرُهُ وَكَانَ الْمُسْتَقِيءُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُرَى مِنْهُ رُجُوعُ بَعْضِ الْقَيْءِ فِي حَلْقِهِ لِتَرَدُّدِ ذَلِكَ وَتَصَعُّدِهِ وَرُجُوعِهِ
وَأَمَّا الْحَدِيثُ عَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَاءَ فَأَفْطَرَ فَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَمَعْنَى قَاءَ اسْتَقَاءَ وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ
وَمِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَالَ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُبْلَةِ وَفِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ
وحسبك بحديث بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا مَدْفَعَ فِيهِ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ
وَهَذَا بَيَانُ تَهْذِيبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَثَرِ وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ
وَهَذِهِ الْمُقَايَسَةُ إِنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَحْجُومِ لَا الْحَاجِمِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا يُوقَفُ عَلَى عِلَلِهَا وَأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أَثَرِيَّةٌ لَا نَظَرِيَّةٌ وَلِهَذَا مَا قَدَّمْنَا الْآثَارَ فِي الْوَارِدَةِ بِهَا وَقَدِ اضْطَرَبَتْ وَصَحَّ النَّسْخُ فِيهَا لِأَنَّ حِجَامَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَّتْ عَنْهُ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَوْلُهُ افْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ كَانَ مِنْهُ عَامَ الْفَتْحِ فِي صَحِيحِ الْأَثَرِ بِذَلِكَ
وَأَمَّا الْحَاجِمُ فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّ رَجُلًا لَوْ سَقَى رَجُلًا مَاءً وَأَطْعَمَهُ خُبْزًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مُفْطِرًا
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي حُكْمِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي ذَهَابِ الْأَجْرِ لِمَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذَلِكَ كَمَا رُوِيَ مَنْ لَغَى يَوْمَ الْجُمُعَةَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ يُرِيدُ ذَهَابَ أَجْرِ جَمُعَتِهِ بِاللَّغْوِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ غَيْرَهُمَا أَوْ قَاذِفَيْنِ فَبَطُلَ أَجْرُهُمَا لَا حُكْمُ صَوْمِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا وَأَوْلَى بِذَوِي الْعِلْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ