قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ كَانَ كَمَا ظَنَّهُ هَذَا الْقَائِلُ - لَكَانَ دَسَمُ مَا لَمْ تُغَيِّرْهُ النَّارُ وَوَدَكُهُ وَغَمَرُهُ لَا يُتَنَظَّفُ مِنْهُ وَلَا تُغْسَلُ مِنْهُ الْيَدُ
وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى ضَعْفِ تَأْوِيلِهِ وَسُوءِ نَظَرِهِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِ بِمَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ مِنَ التَّنَازُعِ فِي إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ
وَقَدْ أَوْرَدْنَا فِي التَّمْهِيدِ عِنْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بن يسار عن بن عباس هذا المذكور ها هنا - زِيَادَاتٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ لَمْ أَرَ أَنَّ لِذِكْرِهَا وَجْهًا هُنَا فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا تَأَمَّلَهَا هُنَاكَ
وَلَمَّا اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَفْعَالِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا النَّاسِخَ فَعَمِلُوا بِهِ وَتَرَكُوا الْمَنْسُوخَ
وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ حُجَّةٌ عَلَى عَمَلِ الْخُلَفَاءِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فِي ذَلِكَ خِلَافُ مَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِمَّا يُوَافِقُ عَمَلَ الْخُلَفَاءِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُمَا فِي التَّمْهِيدِ
وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يَنْتَقِضَ وُضُوءٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ إِلَّا بِحَدِيثٍ مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ أَوْ بِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ قَالَ حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني بن عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ((الْوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) فَقَالَ مَرْوَانُ كَيْفَ يُسْأَلُ أَحَدٌ عَنْ هَذَا وَهُنَا أَزْوَاجُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَرْسَلَنِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ ((جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ فَنَاوَلْتُهُ لَحْمًا أَوْ كَتِفًا ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ))
وَمِمَّنْ قَالَ بِإِسْقَاطِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وعلي وبن عباس وبن مَسْعُودٍ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو أُمَامَةَ
وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وبن أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ
إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَطَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ مَنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ لَحْمِ الْجَزُورِ خَاصَّةً فَقَدْ وَجَبَ عليه الوضوء