قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَثْنِيَ ثَمَرَ نَخَلَاتٍ مَعْدُودَاتٍ مِنْ حَائِطِ رَجُلٍ غَيْرِ مُعَيَّنَاتٍ يَخْتَارُهَا مِنْ جَمِيعِ النَّخْلِ
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فِي أَلْوَانِ النَّخِيلِ وَلَا فِي الثِّيَابِ وَلَا فِي الْعَبِيدِ وَلَا في شيء من الأشياء لأنه بَيْعٌ وَقَعَ عَلَى مَا لَمْ يَرَهُ الْمُتَبَايِعَانِ بعينه
ومعلوم أن الاختيار لا يكون إلا فِيمَا بَعْضُهُ خَيْرٌ مِنْ بَعْضٍ وَأَفْضَلُ وَلَمْ يَفْسَدِ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا
وَذَكَرَ مَالِكٌ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بَيْنَ يَدَيْهِ صُبَرٌ مِنَ التَّمْرِ قَدْ صَبَرَ الْعَجْوَةَ فَجَعَلَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْكَبِيسِ عَشْرَةَ آصُعٍ وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْعَذْقِ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا فَأَعْطَى صَاحِبَ التَّمْرِ دِينَارًا عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ فَيَأْخُذُ أَيَّ تِلْكَ الصُّبَرِ شَاءَ
قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ عِنْدَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا قوله من العلماء في المسألة الأولى
وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ غَنَمٍ فَيَبِيعُهَا أَوْ ثِيَابٍ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَاخْتَارَ ذَلِكَ مَالِكٌ
وَاخْتَلَفَ مَالِكٌ وبن الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ تَمْرَ نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهَا
فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ جائز رواه بن وهب وبن الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمْ عَنْهُ
قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنَمِ يَبِيعُهَا عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مِنْهَا غَنَمًا فَيَسْتَثْنِيَهَا لِنَفْسِهِ
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَ فِيهَا بن القاسم أربعين يوما
فقال بن الْقَاسِمِ وَلَا يَعْنِي قَوْلَهُ هَذَا لِأَنَّ الْغَنَمَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا جَائِزٌ وَالتَّمْرُ لَا يَجُوزُ فيه التفاضل
قال بن الْقَاسِمِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لِلْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ إِذَا بَاعَ الْأُمَّ كَالْمُشْتَرِي له لا يجوز ذلك لها
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ تَمْرًا مِنْ نَخَلَاتٍ مَعْدُودَاتٍ يَخْتَارُهَا مِنْ حائط بعينه