وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ فِي تَوْبَةِ الْقَاذِفِ إِذَا حُدَّ مَا هِيَ فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا تَابَ وَأَصْلَحَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ أَكَذَّبَ نَفْسَهُ أَوْ لَمْ يُكَذِّبْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَوْبَتُهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ بِلِسَانِهِ كَمَا كَانَ الْقَذْفُ بِلِسَانِهِ
وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ كَانَ كُفْرُهُ بِلِسَانِهِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إِلَّا بِالْإِيمَانِ حَتَّى يَنْطِقَ بِهَا بِلِسَانِهِ
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ إِنَّمَا تَفْتَرِقُ تَوْبَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَتَوْبَةُ غَيْرِهِ مِنَ الْمَحْدُودِينَ أَنَّ تَوْبَةَ الْقَاذِفِ لَا تَكُونُ حَتَّى يُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَإِكْذَابُهُ كَلَامٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ بِهِ وَأَصْلَحَ فِي حَالِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَلَيْسَ سَائِرُ الْمَحْدُودِينَ كَذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ (سَوَاءٌ)
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ (بْنِ الْخَطَّابِ) فِي جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ
وَرَوَى (سُفْيَانُ) بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ (سَعِيدِ) بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ (بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) - أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ إِنْ تُبْتَ قُبِلَتْ شَهَادَتُكَ فَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ
وَرَوَى (مُحَمَّدُ) بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ (سَعِيدِ) بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ (بْنَ الْخَطَّابِ) جَلَدَ أَبَا بَكْرَةَ وَنَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ
فَأَمَّا هَذَانَ فَتَابَا وَقَبِلَ عُمَرُ شَهَادَتَهُمَا وَاسْتَتَابَ أَبَا بَكْرَةَ فَأَبَى وَأَقَامَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ وَكَانَ أَفْضَلَ الْقَوْمِ
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَنَكَلَ زِيَادٌ فَجَلَدَ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ وَقَالَ لَهُمْ تُوبُوا تُقْبَلْ شَهَادَتُكُمْ فَتَابَ رَجُلَانِ وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ حَتَّى مَاتَ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ فِي حَدِيثِهِ وَكَانَ قَدْ عَادَ مِثْلَ النَّصْلِ مِنَ الْعِبَادَةِ
وَفِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَالَ وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ أَخَا زِيَادٍ لِأُمِّهِ فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ حَلَفَ أَبُو بَكْرَةَ أَلَّا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا فَلَمْ يُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَ
قَالَ الزُّهْرِيُّ تَوْبَتُهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ
ذَكَرَ الْخَبَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (وَعَنْ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ