قَالَ أَبُو عُمَرَ كَأَنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِإِدْخَالِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِثْرِ حَدِيثِ بن عُمَرَ الْبَيَانَ أَنَّ الْمِجَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ هُوَ الذي روى بن عُمَرَ أَنَّ ثَمَنَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ رَدًّا عَلَى الكوفيين الذين يروون أَنَّ ثَمَنَ الْمِجَنِّ الَّذِي قَطَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَطَعَ فِي ثَمَنِ أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا يَعْنِي بِدِينَارٍ ثُمَّ أَرْدَفَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَوْلِهَا (مَا طَالَ عَلَيَّ وَمَا نَسِيتُ) وَالْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا تُرِيدُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنَ الصَّرْفِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ اخْتَارَ الْقَطْعَ فِيمَا بَلَغَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَاسْتَحَبَّهُ دُونَ مُرَاعَاةِ رُبُعِ دِينَارٍ ذَهَبًا فِي تَقْوِيمِ الْعُرُوضِ الْمَسْرُوقَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عُثْمَانَ بَعْدَهُ إِنَّمَا قَوَّمَ الْمِجَنَّ وَالْأُتْرُجَّةَ بِالثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ لَا بِرُبُعِ دِينَارٍ ذَهَبًا
وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ الذَّهَبُ إِلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ وَلَا تُرَدُّ الْفِضَّةُ إِلَى الذَّهَبِ بِالْقِيمَةِ وَمَنْ سَرَقَ مِنَ الذَّهَبِ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ وَمَنْ سَرَقَ مِنَ الْفِضَّةِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ وَلَوْ سَرَقَ السَّارِقُ دِرْهَمَيْنِ صَرْفُهُمَا رُبُعُ دِينَارٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَطْعٌ وَمَنْ سَرَقَ مَا عَدَاهُمَا مِنَ الْعُرُوضِ كُلِّهَا قُوِّمَتْ سَرِقَتُهُ بِالثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ لَا بِرُبُعِ دِينَارٍ ارْتَفَعَ الصَّرْفُ بِذَلِكَ أَوِ انْخَفَضَ
وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ مَنْ سَرَقَ مِنَ الْعُرُوضِ مَا يَبْلُغُ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَلَا يُقْطَعُ فِي الدَّرَاهِمِ حَتَّى تَكُونَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَلَا فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ رُبُعَ دِينَارٍ
وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَةٍ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّمَا عَزَلَ وَاحْتَمَلَ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ مِنَ الْوَرَقِ لَا يُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ ذَهَبًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ دَرَاهِمَ إِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَئِذٍ رُبُعَ دِينَارٍ ذَهَبًا وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ فِي الْأُتْرُجَّةِ إِذْ قَالَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنَ الْعُرُوضِ كُلِّهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا لَمْ تُقَوَّمْ سَرِقَتُهُ إِلَّا بِرُبْعِ دِينَارٍ ذَهَبًا ارْتَفَعَ الصَّرْفُ أَوِ انْخَفَضَ إِلَّا بِالثَّلَاثَةِ الدَّرَاهِمِ
وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ ما طالع عَلَيَّ وَمَا نَسِيتُ (الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا) وَذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ كُلُّهُمْ يُقَدِّرُوا بِدِينَارٍ فِي تَقْوِيمِ الْعُرُوضِ الْمَسْرُوقَةِ وَفِي الصَّرْفِ أَيْضًا ارْتَفَعَ الصَّرْفُ او اتضع