وَأَمَّا إِذَا كَانَ طِفْلًا فِي الْمَهْدِ أَوْ مُرْضَعًا لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ قَصْدٌ وَلَا تَعَمُّدٌ فَهُوَ كَالْبَهِيمَةِ الْمُهْمَلَةِ الَّتِي جُرْحُهَا جُبَارٌ
وَهَذَا أَصْلٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِيهِ إِلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ
قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قَتَلَ خَطَأً فَإِنَّمَا عَقْلُهُ مال لا قود فيه وإنما هو كغيره مِنْ مَالِهِ يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ
وَيَجُوزُ فِيهِ وَصِيَّتُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ تَكُونُ الدِّيَةُ قَدْرَ ثُلُثِهِ ثُمَّ عُفِيَ عَنْ دِيَتِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ دِيَتِهِ جَازَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ إِذَا عُفِيَ عَنْهُ وَأَوْصَى بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ كَسَائِرِ مَالِ الْمَقْتُولِ يَرِثُهُ عَنْهُ وَرَثَتُهُ ذَوُو الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَةِ إِلَّا أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ شَذَّتْ فَلَمْ أَرَ لِذِكْرِ مَا أَتَتْ بِهِ وَجْهًا
وَقَدْ كَانَ عمر بن الخطاب يقول لا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا
حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا
وَكَانَ قَتْلُ أَشْيَمَ خَطَأً فَقَضَى بِهِ عُمَرُ
وَالنَّاسُ بَعْدَهُ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ دِيَةَ الْمَقْتُولِ كَسَائِرِ مَالِهِ تَجُوزُ فِيهِ وَصِيَّتُهُ كَمَا تَجُوزُ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِهَا إِلَّا ثُلُثُهَا فَإِنَّ عُفِيَ عَنْهَا فَلِلْعَاقِلَةِ ثُلُثُهَا وَيَغْرَمُونَ الثُّلُثَيْنِ وَالْعَفْوُ هُنَا كَالْوَصِيَّةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ دِيَتِهِ وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا مِنْهَا لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ أَنَّ الْقَاتِلَ خَطَأً لَا يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا كَمَا أَجْمَعُوا أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا يَرِثُ مِنَ الْمَالِ وَلَا مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا
ذَكَرَ عَبْدُ الرزاق قال أخبرنا بن جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ إِنْ وَهَبَ الَّذِي يُقْتَلُ خَطَأً دِيَتَهُ لِلَّذِي قَتْلَهُ فَإِنَّمَا له منها ثلثها إنما هو ماله فَيُوصِي فِيهِ
قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِدِيَتِهِ وَقُتِلَ خَطَأً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَالثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ جَائِزٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ