وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُقْتَلُ الَّذِي قَتَلَهُ وَبَطَلَ دَمُ الْأَوَّلِ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا كَرِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ الْقَاتِلِ الْقِصَاصَ إِلَّا أن يشاؤوا أخذ الدية
وروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ عَمْدًا فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ أَوْ قُطِعَتْ فِي سَرِقَةٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلَّذِي فُقِئَتْ عَيْنُهُ وَلَا لِلَّذِي قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ مَالٍ أَوْ قِصَاصٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتِصَارُ هَذَا الْبَابِ أَنْ نَقُولَ لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا فَقُتِلَ قَاتِلُهُ فِي حِرَابَةٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ مَاتَ فَلَا شَيْءَ لِوَلِيِّهِ وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ فِي سَرِقَةٍ أَوْ ذَهَبَتْ بِآفَةٍ مِنَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فَلَا حَقَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ وَلَا قِصَاصٍ
وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ مَالِكًا فِي النَّفْسِ وَخَالَفَهُ فِي الْأَعْضَاءِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ الدِّيَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ جميعا في النفس والأعضاء
قال مَالِكٌ فَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ الْقَاطِعِ عَمْدًا كَانَ لِلْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ كَانَ أَحَقَّ بِيَدِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَإِنْ قَطْعَهَا خَطَأً فَعَلَى الْقَاطِعِ الثَّانِي دِيَةُ الْيَدِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا إِنَّمَا يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَقُطِعَتْ يَدُهُ فِي سَرِقَةٍ أَوْ فِي قِصَاصٍ لِآخَرَ فَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ أَرْشُ يَدِهِ وَإِنْ قَطَعَهَا إِنْسَانٌ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ
وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ قَطَعَ الثَّانِيَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ
وَرَوَى قَتَادَةُ وَفِرْقَةٌ فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَحُبِسَ الْقَاتِلُ لِلْقَوَدِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ عَمْدًا قَالَ لَا يُقَادُ مِنْهُ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ قَالَ هَذَا قَاسَهُ عَلَى مَنْ وَجَبَ الْقَتْلُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ كَالْمُرْتَدِّ أَوْ كَالْمُحْصَنِ الزَّانِي إِذَا حُبِسَ أَحَدُهُمَا لِلْقَتْلِ أَوِ الرَّجْمِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا
وَهَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ من وجب عليه حق لله (عَزَّ وَجَلَّ) لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ خِيَارٌ
وَأَمَّا إِذَا وَجَبَ الْحَقُّ لِلْأَوْلِيَاءِ فَلَهُمُ الْعَفْوُ وَالْقِصَاصُ وَلَهُمْ أَيْضًا أَخْذُ الدِّيَةِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ عَمْدًا فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ تِلْكَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ منه