فِي لِبَاسِهِمْ وَكِبْرَهُمْ فِي صُدُورِهِمْ وَشَهَّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِلِبَاسِ هَذَا الصُّوفِ حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ بِمَا يَلْبَسُ مِنْ هَذِهِ الصُّوفِ أَشَدُّ كِبْرًا مِنْ صَاحِبِ الْمِطْرَفِ بِمِطْرَفِهِ
وَقَالَ رَجُلٌ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَا أَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ فَقَالَ مَا لَا يُشْهِرُكَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُحَقِّرُكَ عِنْدَ السُّفَهَاءِ
وَقَالَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ
(تَصَوَّفَ فَازْدَهَى بِالصُّوفِ جَهْلًا ... وَبَعْضُ النَّاسِ يَلْبَسُهُ مِجَانَّهْ)
(يُرِيدُ مَهَابَةً وَيُجِنُّ كِبْرًا ... وَلَيْسَ الْكِبْرُ مِنْ شَكْلِ الْمَهَابَهْ) وَلِهِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيِّ وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ
(أَجِدُ الثِّيَابَ إِذَا اكْتَسَيْتُ بِهَا ... زَيْنَ الرِّجَالِ بِهَا تَهَابُ وَتُكْرَمُ)
(وَدَعِ التَّوَاضُعَ فِي اللِّبَاسِ تَحَرِّيًا ... فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ وَتَكْتُمُ)
(فَدَنِيُّ ثَوْبِكَ لَا يَزِيدُكَ زُلْفَةً ... عِنْدَ الْإِلَهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مُجْرِمُ)
(وَبَهَاءُ ثَوْبِكَ لَا يَضُرُّكَ بَعْدَ أَنْ ... تَخْشَى الْإِلَهَ وَتَتَّقِي مَا يَحْرُمُ)
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَانٍ ظَاهِرَةٌ وَقَدْ ذَكَرْتُهَا وَذَكَرْتُ الشواهد عليها في التمهيدمنها جَوَازُ الْهَدِيَّةِ وَالصِّلَةِ لِلْأَقَارِبِ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا لِقَوْلِهِ فَكَسَاهَا أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ
١٧٠٣ - مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ وَقَدْ رَفَعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرُقَعٍ ثَلَاثٍ لَبَّدَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَ هَذَا مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زهدا في الدنيا ورضي بِالدُّونِ مِنْهَا كَانَتْ تِلْكَ حَالُهُ فِي نَفْسِهِ وَكَانَ يُبِيحُ لِغَيْرِهِ مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُمْ فقال إذا وسع عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ جَمَعَ امْرُؤٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ
وَإِنَّمَا يَحْمِلُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا
وَكَانَ عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ أَشَدَّ زُهْدًا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الْخِلَافَةَ
وَكَذَلِكَ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبْلَهُ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ وَكَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ حَتَّى عُرِفَ بِهِ وَلِذَلِكَ قَالَتْ غَطَفَانُ فِي الرِّدَّةِ مَا كُنَّا نُبَايِعُ صَاحِبَ الْكِسَاءِ