وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهَا فَرْضٌ وَالسَّلَامُ فَرْضٌ وَاجِبٌ وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ بِوَاجِبٍ
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ عَمَلَ الْيَدَيْنِ كُلَّهُ فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَكَذَلِكَ كَلُّ عَمَلِ الْبَدَنِ إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ وَهُوَ الْجِلْسَةُ الْوُسْطَى
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لم يَخْرُجْ قَطُّ مِنْ صَلَاةٍ إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَقَالَ ((تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ)) وَقَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ فَسَقَطَ التَّشَهُّدُ لِذَلِكَ
وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَلَا شَيْءَ مِنَ الذِّكْرِ وَاجِبٌ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَالتَّسْلِيمِ
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ الْجُلُوسَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَرْضٌ وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ وَلَا التَّسْلِيمُ بِوَاجِبٍ فَرْضًا
وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَاحْتَجُّوا بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ عَمَلِ الصَّلَاةِ وَعَمَلِ الْبَدَنِ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَافِعٍ وَبَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو بن العاصي قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ)) وهكذا رواه بن الْمُبَارَكِ عَنِ الْإِفْرِيقِيِّ وَهُوَ أَثْبَتُ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ أَنَّ الْجُلُوسَ وَالتَّشَهُّدَ وَاجِبَانِ وَلَيْسَ السَّلَامُ بِوَاجِبٍ
قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِسْحَاقُ بن راهويه
واحتج إسحاق بحديث بن مسعود حين علمه رسول الله التَّشَهُّدَ وَقَالَ لَهُ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ هَذَا فقد تسمت صَلَاتُكُ وَقَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ))
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ أَنْ لَيْسَ الْجُلُوسُ فِيهَا وَلَا التَّشَهُّدُ وَلَا السَّلَامُ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ وَهَذَا قول بعض البصريين وإليه ذهب بن عُلَيَّةَ وَصَرَّحَ بِقِيَاسِ الْجِلْسَةِ الْآخِرَةِ عَلَى الْأُولَى فَخَالَفَ الْجُمْهُورَ وَشَذَّ إِلَّا أَنَّهُ يَرَى الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ