وفي حديث بن شِهَابٍ تَفْسيرٌ لِحَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بِقَوْلِهِ فِيهِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فِي سُبْحَتِهِمْ قُعُودًا يَعْنِي فِي نَافِلَتِهِمْ
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ فِي الْأُمَرَاءِ الْمُؤَخِّرِينَ لِلصَّلَاةِ عَنْ مِيقَاتِهَا صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً يَعْنِي نَافِلَةً
وَهَذِهِ اللُّغَةُ فِي السُّبْحَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا النَّافِلَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الصَّحَابَةِ مَشْهُورَةٌ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ
فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ
وَأَوْضَحَ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا أَوْ إِمَامًا قَاعِدًا فَرِيضَتَهُ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ فِيهَا وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ صَلَاةٌ وَعَلَيْهِ إِعَادَةُ مَا صَلَّى جَالِسًا فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ أَجْرُ نِصْفِ الْقَائِمِ وَهُوَ آثِمٌ عَاصٍ لَا صَلَاةَ لَهُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْإِمَامِ الْمَرِيضِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِقَوْمٍ أَصِحَّاءَ إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا
وَأَجْمَعُوا أَنَّ فَرْضَ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْإِيجَابِ لَا عَلَى التَّخْيِيرِ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وقوموا لله قنتين) الْبَقَرَةِ ٢٣٨
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّلُ جَالِسًا فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ النَّافِلَةَ جائز أن مثل نصف يصليها إن شَاءَ قَاعِدًا وَمَنْ شَاءَ قَائِمًا إِلَّا أَنَّ الْقَاعِدَ فِيهَا عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْقَائِمِ
وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْآثَارَ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي التَّمْهِيدِ في باب مرسل بن شِهَابٍ وَبَابِ إِسْمَاعِيلَ أَيْضًا
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ يُسَمَّى قُنُوتًا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سُئِلَ أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ قَالَ طُولُ الْقُنُوتِ يَعْنِي طُولَ الْقِيَامِ لَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ عِنْدَ أَحَدٍ فِي ذَلِكَ