النَّاسِ حَقَّ نَفْسِهِ , وَلَا يَسْتَقْضِي مِنْ نَفْسِهِ مَا لِلَّهِ عَلَيْهَا , يَغْضَبُ عَلَى غَيْرِهِ , زَعَمَ لِلَّهِ , وَلَا يَغْضَبُ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ لَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَ , مِنْ حَرَامٍ أَوْ مِنْ حَلَالٍ , قَدْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ , إِنْ فَاتَهُ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ , حَزِنَ عَلَى فَوْتِهِ لَا يَتَأَدَّبُ بِأَدَبِ الْقُرْآنِ , وَلَا يَزْجُرُ نَفْسَهُ عَنِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ , لَاهٍ غَافِلٌ عَمَّا يَتْلُو أَوْ يُتْلَى عَلَيْهِ , هِمَّتُهُ حِفْظُ الْحُرُوفِ , إِنْ أَخْطَأَ فِي حَرْفٍ سَاءَهُ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَنْقُصَ جَاهُهُ عِنْدَ الْمَخْلُوقِينَ , فَتَنْقُصَ رُتْبَتُهُ عِنْدَهُمْ , فَتَرَاهُ مَحْزُونًا مَغْمُومًا بِذَلِكَ , وَمَا قَدْ ضَيَّعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ مِمَّا أَمَرَ بِهِ الْقُرْآنُ أَوْ نَهَى عَنْهُ , غَيْرُ مُكْتَرِثٍ بِهِ , أَخْلَاقُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهِ أَخْلَاقُ الْجُهَّالِ , الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ , لَا يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ إِذْ سَمِعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الحشر: ٧ , فَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ طَلَبَ الْعِلْمِ لِمَعْرِفَةِ مَا نَهَى عَنْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْتَهِيَ عَنْهُ , قَلِيلُ النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , كَثِيرُ النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي يَتَزَيَّنُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا لِيُكْرِمُوهُ بِذَلِكَ , قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الَّذِي نَدَبَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ , ثُمَّ رَسُولُهُ لِيَأْخُذَ الْحَلَالَ بِعِلْمٍ , وَيَتْرُكَ الْحَرَامَ بِعِلْمٍ , لَا يَرْغَبُ بِمَعْرِفَةِ عِلْمِ النِّعَمِ , وَلَا فِي عِلْمِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ , تِلَاوَتُهُ لِلْقُرْآنِ تَدُلُّ عَلَى كِبْرِهِ فِي نَفْسِهِ , وَتَزَيُّنٍ عِنْدَ السَّامِعِينَ مِنْهُ , لَيْسَ لَهُ خُشُوعٌ , فَيَظْهَرَ عَلَى جَوَارِحِهِ , إِذَا دَرَّسَ الْقُرْآنَ , أَوْ دَرَسَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ هِمَّتُهُ مَتَى يَقْطَعُ , لَيْسَ هِمَّتُهُ مَتَى يَفْهَمُ , لَا يَتَفَكَّرُ عِنْدَ التِّلَاوَةِ بِضُرُوبٍ أَمْثَالِ الْقُرْآنِ , وَلَا يَقِفُ عِنْدَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ , يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِرِضَا الْمَخْلُوقِينَ , وَلَا يُبَالِي بِسَخَطِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , يُحِبُّ أَنْ يُعْرَفَ بِكَثْرَةِ الدَّرْسِ , وَيُظْهِرُ خَتْمَهُ لِلْقُرْآنِ لِيَحْظَى عِنْدَهُمْ , قَدْ فَتَنَهُ حُسْنُ ثَنَاءِ مَنْ جَهِلَهُ يَفْرَحُ بِمَدْحِ الْبَاطِلِ , وَأَعْمَالُهُ أَعْمَالُ أَهْلِ الْجَهْلِ , يَتَّبِعُ هَوَاهُ فِيمَا تُحِبُّ نَفْسُهُ , غَيْرُ مُتَصَفِّحٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْقُرْآنُ عَنْهُ , إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْرِئُ , غَضِبَ عَلَى مَنْ قَرَأَ عَلَى غَيْرِهِ إِنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ بِالصَّلَاحِ كَرِهَ ذَلِكَ , وَإِنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ بِمَكْرُوهٍ سَرَّهُ ذَلِكَ , يَسْخَرُ بِمَنْ دُونَهُ , وَيَهْمِزُ بِمَنْ فَوْقَهُ يَتَتَبَّعُ عُيُوبَ أَهْلِ الْقُرْآنِ؛ لِيَضَعَ مِنْهُمْ , وَيَرْفَعَ مِنْ نَفْسِهِ , يَتَمَنَّى أَنْ يُخْطِئَ غَيْرُهُ وَيَكُونَ هُوَ الْمُصِيبُ