فصل في الرجعة
هي لغة المرة من الرجوع وشرعا رد المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة (صح رجوع مفارقة
ــ
فصل في الرجعة
أي في بيان أحكامها.
وذكرها عقب الطلاق لأنها تترتب عليه في الجملة: أي فيما إذا كان رجعيا وأصلها الإباحة، وتعتريها أحكام النكاح السابقة، وهي: الوجوب على من طلق إحدى زوجتيه قبل أن يوفي لها ليلتها، والحرمة فيما إذا ترتب عليها عدم القسم أو عجز عن الإنفاق، والكراهة حيث سن الطلاق، والندب حيث كان الطلاق بدعيا والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * أي في العدة * (إن أرادوا إصلاحا) * أي رجعة: كما قال الشافعي رضي الله عنه: وقوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * والرد والإمساك مفسران بالرجعة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: أتاني جبريل فقال لي: يا محمد راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة.
وأركانها ثلاثة: مرتجع، ومحل، وصيغة، والمراد بالمرتجع الزوج أو من يقوم مقامه من وكيل فيما إذا وكل أن يراجع زجته وولي فيما إذا جن من قد وقع عليه الطلاق وكان الصلاح في الرجعة، وشرط فيه أهلية عقد النكاح بنفسه، بأن يكون بالغا عاقلا مختارا، وشرط في المحل كونه زوجة موطوءة وفي معنى الوطئ استدخال المني المحترم معينة قابلة للحل مطلقة مجانا لم يستوف عدد طلاقها وتكون الرجعة في العدة.
فخرج بالزوجة الأجنبية، وبالموطوءة والملحقة بها المطلقة قبل الوطئ وما في معناه فلا تصح رجعتها لبينونتها بالطلاق قبل الدخول وبالمعينة المبهمة، فلو طلق إحدى زوجتيه مبهمة ثم راجعها أو طلقهما جميعا ثم راجع إحداهما مبهمة لم تصح الرجعة، وبالقابلة للحل المرتدة فلا تصح رجعتها في حال ردتها لأن مقصود الرجعة الحل والردة تنافيه، وكاذا لو ارتد الزوج أو ارتدا معا.
وبالمطلقة المفسوخ نكاحها فلا رجعة فيها وإنما تسترد بعقد جديد، وبمجانا المطلقة بعوض فلا رجعة فيها أيضا بل تحتاج إلى عقد جديد، وبلم يستوف عدد طلاقها المطلقة ثلاثا فلا تحل له إلا بمحلل - كما تقدم - ويفي العدة ما إذا انقضت عدتها فلا تحل له إلا بعقد جديد.
وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالمراد صريحا كان أو كناية بشرط عدم التعليق ولو بمشيئتها وعدم التأقيت.
فلو قال: راجعتك إن شئت، فقالت: شئت لم تصح الرجعة، وكذا لو قال: راجعتك شهرا.
ولا تصح النية من غير لفظ ولا بفعل كوطئ، خلافا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.
نعم: لو صدر ذلك من كفار واعتقدوه رجعة ثم ترافعوا إلينا وأسلموا أقررناهم ويقوم مقام اللفظ الكتابة مع النية وإشارة الأخرس المفهمة كسائر العقود.
وجميع هذه الأركان مع معظم الشروط تفلم من كلامه (قوله: هي) أي الرجعة بفتح الراء وكسرها، والأول أفصح: وقوله لغة المرة: أي حتى على الكسر.
ولا يخالفه قول ابن مالك: وفعله لمرة كجلسة وفعله لهيئة كجلسة
لأن ذلك أغلبي - لا كلي - وقوله: من الرجوع: حال من المرة: أي حال كون المرة كائنة من الرجوع، سواء كان من الطلاق أو غيره، فيكون المعنى اللغوي أعم من الشرعي (قوله: وشرعا) عطف على لغة (قوله: رد المرأة) من إضافة
(١) سورة البقرة، الاية: ٢٢٨.
(٢) سورة البقرة، الاية: ٢٢٩.