فصل
ــ
فصل أي في بيان أحكام الظهار كلزوم الكفارة إذا صار عائدا وذكر عقب الإيلاء لكونه مثله في التحريم وكونه كان طلاقا في الجاهلية لا رجعة فيه.
وهو لغة مأخوذ من الظهر بمعنى الإستعلاء لما فيه من استعلاء شئ على شئ آخر.
وشرعا تشبيه الزوج زوجته غير البائن بأنثى لم تكن حلاله، وإنما عبروا بالظهار المأخوذ من الظهر ولم يعبروا بالبطان المأخوذ من البطن مثلا مع أنه يصح التشبيه بالبطن لأن صيغته المتعارفة في الجاهلية أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي وخصوا الظهر لأنه موضع الركوب والمرأة مركوب الزوج ففي قوله: أنت علي كظهر أمي كناية تلويحية عن الركوب،
فكأنه قال: أنت لا تركبين كما لا تركب الأم، والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم) * الآية.
وسبب نزولها أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت حكيم وكان قد عمي فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال لها: حرمت عليه.
فقالت يا رسول الله أنظر في أمري معه فإني لا أصبر عنه ومعي منه صبية صغار إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا.
فقال لها: حرمت.
فكرر وكررت ثلاث مرات.
فلما أيست منه اشتكت إلى الله تعالى وحدتها وفاقتها فأنزل الله * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * الآيات، وقد مر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته فاستوقفته زمنا طويلا ووعظته.
وقالت له: يا عمر قد كنت تدعى عميرا ثم قيل لك يا أمير المؤمنين فاتق الله يا عمر فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟ فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة.
أتدرون من هذه العجوز؟ هي التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟ والظهار حرام من الكبائر: لقوله تعالى فيه * (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) * ولأن فيه إقداما على إحالة حكم الله تعالى وتبديله، وهذا أخطر من كثير من الكبائر وقضيته الكفر لولا خلو الإعتقاد عن ذلك وأركانه أربعة: مظاهر، ومظاهر منها، ومشبه به، وصيغة، وشرط في المظاهر كونه زوجا يصح طلاقه فلا يصح من غير زوج من أجنبي وإن نكح من ظاهر منها وسيد فلو قال لأمته أنت علي كظهر أمي لم يصح، ولا يصح من صبي ومجنون ومكره لعدم صحة طلاقهم.
وشرط في المظاهر منها كونها زوجة ولو رجعية فلا يصح من أجنبية ولو مختلعة ولا من أمة مملوكة، بخلاف الزوجة الأمة فيصح الظهار منها.
وشرط في المشبه به أن يكون كل أنثى أو جزء أنثى محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة لم تكن حلاله قبل كأمه وبنته وأخته من النسب ومرضعة أبيه أو أمه وزوجة أبيه التي نكحها قبل ولادته أو معها فيما يظهر وأخته من الرضاعة إن كانت ولادتها بعد إرضاعه أو معه فيما يظهر، فخرج بالأنثى الذكر والخنثى لأن كلا منهما ليس محلا للتمتع وبالمحرم أخت الزوجة لأن تحريمها من جهة الجمع وزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن تحريمهن ليس للمحرمية بل لشرفه - صلى الله عليه وسلم -، وبقولنا: لم تكن حلاله قبل زوجة أبيه التي نكحها بعد ولادته وأخته من الرضاعة التي كانت مولودة قبل إرضاعه فلا يكون التشبيه بها ظهارا لأنها كانت حلالا له وإنما طرأ تحريمها: وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالظهار وفي معناه الكتابة وإشارة الأخرس المفهمة.
ثم هو إما صريح كأنت أو رأسك أو يدك أو نحو ذلك من الأعضاء الظاهرة كظهر
(١) سورة المجادلة، الاية: ٣.
(٢) سورة المجادلة، الاية: ١.
(٣) سورة الجادلة، الاية: ٢.
(٤) الكلام فيه خلل في الاصل.