والفعل المزهق ثلاثة: عمد، وشبه عمد، وخطأ (لا قصاص إلا في عمد) بخلاف شبهه والخطأ (وهو قصد فعل) ظلما (و) عين (شخص) يعني الانسان: إذ لو قصد شخصا ظنه ظبيا فبان إنسانا كان خطأ (بما يقتل) غالبا جارحا
ــ
لذلك، أو المراد بالخلود فيه: المكث الطويل، فإن الدلائل تظاهرت على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم (قوله: وبالقود) أي القصاص، وهو متعلق بالفعل الذي بعده.
وقوله أو العفو: أي على مال أو مجانا.
وقوله لا تبقى مطالبة أخروية.
هذا إذا تاب عند تسليم نفسه للقود أو عند العفو عنه من الورثة توبة صحيحة، وإلا بقيت عليه المطالبة من الله، كما علمت أن الحقوق ثلاثة: حق الله تعالى، وحق الورثة، وحق المقتول.
والحق الاول لا يسقط إلا بتوبة صحيحة (قوله: والفعل) أي جنس الفعل بدليل الاخبار عنه بثلاثة، والمراد بالفعل ما يشمل القول كشهادة الزور وكالصياح، وقوله المزهق: أي المخرج للروح وهذا القيد لا مفهوم له لان غير المزهق تأتي فيه الثلاثة الاقسام التي ذكرها، وعبارة شرح المنهج: هي أي الجناية على البدن سواء كانت مزهقة للروح أو غير مزهقة من قطع نحوه ثلاثة الخ.
وقوله ثلاثة: أي ولا رابع لها، ووجه ذلك أن الجاني إن لم يقصد عين المجني عليه بأن لم يقصد الجناية أصلا كأن زلقت رجله فوقع على إنسان فقتله أو قصد الجناية على زيد فأصاب عمرا فهو الخطأ المحض سواء كان بما يقتل غالبا أو لا، وأن قصد عين المجني عليه فإن كان بما يقتل غالبا فهو العمد المحض، وإن كان بما لا يقتل غالبا فهو شبه العمد.
قال ابن رسلان في زبده:
فعمد محض هو قصد الضارب شخصا بما يقتله في الغالب والخطأ الرمي لشاخص بلا قصد أصاب بشرا فقتلا ومشبه العمد بأن يرمي إلى شخص بما في غالب لن يقتلا (قوله: عمد) أي محض، وقوله وشبه عمد: ويقال لهذا عمد خطأ وخطأ عمد وخطأ شبه عمد وحقيقته مركبة من شائبة العمد وشائبة الخطأ، وقوله وخطأ أي محض (قوله: لا قصاص إلا في عمد) أي للاجماع (قوله: بخلاف شبهه) أي العمد فلا قصاص فيه: لخبر إلا أن في قتيل عمد الخطأ، قتيل السوط والعصا مائة من الإبل وقوله والخطأ أي وبخلاف الخطأ فلا قصاص فيه لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * (قوله: وهو) أي العمد، وقوله قصد فعل: أي قتل وخرج به ما إذا لم يقصد كأن زلقت رجله فوقع على إنسان فقتله فلا قصاص فيه لانه خطأ.
وقوله ظلما.
الأولى حذفه لأنه سيذكر شروط القصاص كلها ويذكره معها والمراد كونه ظلما من حيث الاتلاف، فخرج ما إذا قصده بحق كالقتل قودا أو دفعا لصائل أو لباغ أو بغير حق لكن لا من حيث الاتلاف، أي إزهاق الروح، كأن استحق حز رقبته فقده نصفين فإنه لا قود فيهما بل هو في الاول جائز وفي الثاني وإن كان غير جائز لكنه من حيث العدول عن الطريق المستحق إلى غيره لا من حيث الاتلاف (قوله: وعين شخص) معطوف على فعل.
أي وقصد عين شخص أي ذاته، وخرج به ما لو قصد إصابة زيد مثلا فأصاب السهم عمرا فلا يلزمه القود لأنه لم يقصد عين المصاب (قوله: يعني الانسان) أي أن المراد بالشخص الانسان لا ما يشمل الانسان وغير، وقوله إذ لو قصد الخ: تعليل لكون المراد من الشخص الانسان: أي وإنما كان المراد من الشخص الانسان، لا مطلق شخص، لانه لو قصد شخصا ظنه ظبية أو نخلة أو نحوهما فرماه ثم تبين أنه إنسان كان قتله له خطأ لا عمدا لانه وإن قصد الشخص الذي هو الظبية ولم يقصد الانسان المصاب وفي هذا التعليل نظر لأنه يقتضي أنه إذا قصد إنسانا عند الرمي وأصاب إنسانا آخر غيره كان عمدا مع أنه خطأ كما تقدم.
إذا علمت ذلك فكان المناسب أن يقيد الانسان المفسر للشخص بالمصاب ويأتي بدل صورة التعليل المذكور بصورة التفريع بأن يقول فلو قصد شخصا الخ.
والصورة المعلل بها خارجة بقوله قصد عين شخص، وذلك لأنه إذا رمى شخصا على زعم أنه ظبية ثم تبين أن المصاب المرمي إنسان فهو لم يقصد عين المصاب وقت الرمي كالصورة المتقدمة.
(١) سورة النساء، الاية: ٩٢.