الناس بالله من بدأهم بالسلام.
وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل كما أن إبراء المعسر أفضل من إنظاره وصيغة ابتدائه السلام عليكم أو سلام عليكم، وكذا عليكم السلام أو سلام، لكنه مكروه للنهي عنه ومع ذلك يجب الرد فيه - بخلاف وعليكم السلام بالواو - إذ لا يصلح للابتداء والافضل في الابتداء والرد الاتيان بصيغة الجمع حتى في الواحد لاجل الملائكة والتعظيم وزيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته.
ولا يكفي الافراد
ــ
(قوله: وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل) أي من الرد، وإن كان واجبا.
(قوله: كما أن إبراء المعسر أفضل من إنظاره) أي مع أن الابراء سنة، والانظار واجب.
(قوله: وصيغة إبتدائه السلام عليكم) أي وصيغة رده: وعلكيم السلام، أو سلام
ولو ترك الواو جاز - وإن كان ذكرها أفضل - فإن عكس فيهما، بأن قال في الابتداء عليكم السلام، وقال في الرد السلام عليكم، جاز وكفى.
فإن قال في الرد وعليكم وسكت عن السلام لم يجز: إذ ليس فيه تعرض للسلام.
(قوله: وكذا عليكم السلام) أي وكذلك يكفي في صيغة الابتداء عليكم السلام بتقديم الخبر.
(قوله: أو سلام) معطوف على لفظ السلام: أي وكذا يكفي عليكم سلام، بالتنكير وتقديم الخبر.
(قوله: لكنه مكروه) أي لكن الاتيان في الابتداء بعليكم السلام، أو عليكم سلام مكروه، فضمير لكنه يعود على ما بعد، وكذا لا على قوله أو سلام فقط.
وعبارة النهاية: ويجزئ مع الكراهة عليكم السلام، ويجب فيه الرد، وكعليكم السلام عليكم سلام.
اه.
(وقوله: للنهي عنه) أي في خبر الترمذي وغيره.
(قوله: ومع ذلك) أي مع كونه مكروها.
(وقوله: يجب الرد فيه) أي في هذا المكروه.
(قوله: بخلاف وعليكم السلام) أي فإنه لا يجب فيه الرد، لأنه لا يصلح لابتداء السلام، لتقدم واو العطف.
(قوله: والافضل في الابتداء والرد إلخ) قال النووي في الأذكار: اعلم أن الأفضل أن يقول المسلم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير الجمع، وإن كان المسلم عليه واحدا ويقول المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله وعليكم.
وممن نص على أن الافضل في المبتدئ أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الامام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه الحاوي في كتاب السير، والامام أبو سعيد المتولي من أصحابنا في كتاب صلاة الجمعة وغيرهما.
ودليله ما رويناه في مسند الدارمي وسنن أبي داود والترمذي، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام ثم جلس.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر.
ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرده عليه فجلس، فقال عشرون.
ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال ثلاثون قال الترمذي حديث حسن.
وفي رواية لأبي داود من رواية معاذ بن أنس رضي الله عنه زيادة على هذا: قال: ثم أتى آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال أربعون، وقال: هكذا تكون الفضائل.
اه.
(قوله: حتى في الواحد) أي يأتي المبتدئ بصيغة الجمع، ولو كان المسلم عليه واحدا، ويأتي الراد بذلك أيضا، ولو كان المسلم عليه واحدا.
(وقوله: لاجل الملائكة) أي نظرا لمن معه من الملائكة.
قال ابن العربي: إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أو سلمت على أحد في الطريق، فقلت السلام عليكم، فأحضر في قلبك كل عبد صالح لله في الارض والسماء، وميت وحي، فإن من في ذلك المقام يرد عليك، فلا يبقى ملك مقرب، ولا روح مطهر، يبلغه سلامك إلا ويرد عليك، وهو دعاء فيستجاب فيك فتفلح، ومن لم يبلغه سلامك من عباد الله المهيم في
جلاله المشتغل به، فأنت قد سلمت عليه في هذا الشمول، فإن الله ينوب عنه في الرد عليك، وكفى بهذا شرفا لك حيث يسلم عليك الحق.
فليته لم يسمع أحد ممن سلمت عليه، حتى ينوب الله عن الكل في الرد عليك.
اه.
مناوي.
(قوله: وزيادة إلخ) أي والافضل زيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته، لما تقدم آنفا عن النووي، ولما روي عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل يمر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يرعى دواب أصحابه فيقول السلام عليك يا رسول الله، فيقول له النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه.
فقيل يا رسول الله تسلم على هذا سلاما ما تسلمه على أحد من