- ككذب وغيبة، ومشاتمة - لانه محبط للاجر، كما صرحوا به، ودلت عليه الاخبار الصحيحة، ونص عليه الشافعي والاصحاب، وأقرهم في المجموع، وبه يرد بحث الاذرعي حصوله وعليه إثم معصيته.
وقال بعضهم: يبطل أصل صومه، وهو قياس مذهب أحمد في الصلاة في المغصوب.
ولو شتمه أحد فليقل - ولو في نفل - إني صائم، مرتين أو ثلاثا - في نفسه - تذكيرا لها، وبلسانه: حيث لم يظن رياء، فإن اقتصر على أحدهما: فالاولى
ــ
الخطيب، ومثله الجمال الرملي، ونقله عن إفتاء والده - كما علمت.
(قوله: ومما يتأكد للصائم الخ) أي من حيث الصوم، فلا ينافي ذلك وجوب الكف عن ذلك من حيثية أخرى، فإذا كف لسانه عن ذلك يثاب عليه ثوابين: واجبا - من حيث وجوب صون اللسان عن المحرمات - ومندوبا - من حيث الصوم - وإذا لم يكف لسانه عن ذلك - بأن اغتاب مثلا - حصل الإثم المرتب على الغيبة في نفسها، للوعيد الشديد عليها، وحصل بمخالفته أمر الندب بتنزيه الصوم عن ذلك إحباط ثواب الصوم زيادة على ذلك الإثم.
وإنما عبروا بالندب تنبيها على أنه لا يبطل بفعله أصل الصوم، إذ لو عبروا بالوجوب لتوهم منه عدم صحة الصوم معه - كالاستقاءة ونحوها -.
(وقوله: كف اللسان عن كل محرم) أي منعه عنه، وحفظه منه.
(قوله: ككذب وغيبة) تمثيل للمحرم، والكذب: هو الإخبار بما يخالف الواقع.
والغيبة: هي ذكرك أخاك المسلم بما يكره، ولو بما فيه، ولو بحضرته.
وهي من الكبائر: في حق أهل العلم وحملة القرآن.
ومن الصغائر: في حق غيرهم.
وقد يجبان - كالكذب - لإنقاذ مظلوم، وذكر عيب نحو خاطب، وهذان لا يتأكد كف اللسان عنهما - لوجوبهما.
(قوله: ومشاتمة) المراد بها أصل الفعل: أي الشتم، وهو والسب بمعنى واحد، وهو مشافهة الغير بما يكره، وإن لم يكن فيه حد: كيا أحمق، يا ظالم.
والقذف أخص منهما، إذ هو الرمي بما يوجب الحد غالبا.
(قوله: لأنه محبط للأجر) أي لأن المحرم من الكذب، والغيبة، والمشاتمة، وغيرها، محبط لثواب الصوم.
(قوله: كما صرحوا به) أي بإحباطه للأجر فقط.
(قوله: ودلت عليه الأخبار الصحيحة) منها: خبر الحاكم في صحيحه: ليس الصيام من الأكل والشرب فقط، الصيام من اللغو والرفث.
وخبر البخاري: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه.
والمراد أن كمال الصوم إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام الردئ، لا أن الصوم يبطل بهما.
قال في التحفة.
وخبر: خمس يفطرن الصائم: الغيبة، والنميمة، والكذب، والقبلة، واليمين الفاجرة باطل - كما في المجموع.
اه.
(قوله: وبه يرد) أي بما ذكر من تصريحهم ودلالة الأخبار.
ونص الشافعي بإحباط الأجر بذلك: يرد بحث الأذرعي حصول الأجر، وعليه إثم المعصية.
(قوله: وقال بعضهم) هو الأوزاعي - كما في التحفة.
(وقوله: يبطل أصل صومه) أي لظاهر الحديث المار وهو: خمس يفطرن الخ.
(قوله: وهو قياس) أي بطلان أصل الصوم قياس مذهب الإمام أحمد في الصلاة في المغصوب، فإنها تبطل عنده فيه.
(قوله: ولو شتمه أحد فليقل الخ) أي لخبر: الصيام جنة.
فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله، أو شاتمه، فليقل إني صائم، إني صائم - مرتين.
أي يقوله بقلبه لنفسه، لتصبر ولا تشاتم فتذهب بركة صومها - كما نقله الرافعي عن الأئمة - أو بلسانه بنية وعظ الشاتم، ودفعه بالتي هي أحسن - كما نقله النووي عن جمع وصححه - ثم قال: فإن جمعهما فحسن، وقال إنه يسن تكراره مرتين، أو أكثر، لأنه أقرب إلى إمساك صاحبه عنه.
وقول الزركشي: ولا أظن أحدا يقوله: مردود بالخبر السابق.
اه.
شرح الروض.
(قوله: ولو في نفل) أي في صوم نفل، وهو غاية لقوله فليقل إلخ.
وقوله: إني صائم: مقول القول.
وقوله: مرتين، مفعول مطلق ليقل.
(قوله: في نفسه) متعلق بقوله فليقل.
أي فليقل في نفسه، وإطلاق القول على ما كان بنفسه ثابت في كلامهم كثيرا، ويسمى قولا نفسيا.
قال الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * * جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقوله: تذكيرا لها: أي لنفسه أن صائم لتصبر.
(قوله: وبلسانه) معطوف على في نفسه، والواو: بمعنى أو، أي أو ليقل بلسانه ذلك، زجرا لخصمه.
(قوله: حيث لم يظن رياء) تقييد لقوله ذلك باللسان: أي فليقل ذلك به حيث لم يظن