باب في العارية بتشديد الياء وتخفيفها: وهي اسم لما يعار للعقد المتضمن لاباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه ليرده.
من عار: ذهب، وجاء بسرعة، لا من العار.
وهي مستحبة أصالة لشدة الحاجة إليها، وقد تجب، كإعارة ثوب توقفت صحة الصلاة عليه، وما ينقذ غريقا، أو يذبح به حيون محترم يخشى موته.
(صح) من ذي
ــ
باب في العارية
أي في بيان أحكامها وشرائطها، وذكرها عقب الإجارة لأن كلا منهما استيفاء منفعة، ولاتحاد شرط ما يؤجر وما يعار، ولذا قيل، كل ما جازت إجارته جازت إعارته.
واستثنى من ذلك بعض فروع، والأصل فيها قبل الإجماع، قوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (١) وفسر جمهور المفسرين، الماعون في قوله تعالى: * (ويمنعون الماعون) * (٢) بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض، كالفأس، والدلو، والإبرة، وفسره بعضهم بالزكاة، وخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم -: " استعار فرسه من أبي طلحة فركبه، ودرعا من صفوان بن أمية يوم حنين، فقال أغصب يا محمد أو عارية؟ فقال بل عارية
مضمونة " قال الروياني وغيره: وكانت واجبة أول الإسلام، للآية السابقة، ثم نسخ وجوبها، فصارت مستحبة، أي أصالة، وإلا فقد تجب، كإعارة الثوب لدفع حر أو برد، وإعارة الحبل لإنقاذ غريق، والسكين لذبح حيوان محترم يخشى موته، وقد تحرم: كإعارة الصيد من المحرم، والأمة من الأجنبي، وقد تكره، كإعارة العبد المسلم من كافر، وقد تباح، كالإعارة لغني، كأن استعار من له ثوب مستغن به من صاحب ثياب ثوبا، وقولهم ما كان أصله الاستحباب لا تعتريه الإباحة، أمر أغلبي، وأركانها أربعة: معير، ومستعير، ومعار، وصغية.
وشرط المعير: صحة تبرعه، واختياره، وشرط المستعير: تعينه، فلا يصح لغير معين، كأعرت أحدكما، وإطلاق تصرف، فلا تصح لصبي ومجنون وسفيه إلا بعقد وليهم، إذا لم تكن العارية مضمونة، كأن استعار من مستأجر، وشرط المعار، حل الانتفاع به مع ملك منفعته، وبقاء عينه.
وشرط الصيغة، لفظ يشعر بالإذن في الانتفاع (قوله: بتشديد الياء وتخفيفها) وفيها لغة ثالثة، وهي: عارة، كناقة (قوله: وهي اسم لما يعار، وللعقد) أي العارية شرعا، تطلق على المعار، وعلى العقد، فهي مشتركة بينهما، كذا في ع ش (قوله: من عار) أي وهي مأخوذة من عار، أي على مذهب الكوفيين، أو من مصدره على مذهب البصريين (قوله: ذهب وجاء بسرعة) أي أن معنى عار في اللغة: ذهب وجاء بسرعة، ومنه قيل للغلام الخفيف، عيار، بتشديد الياء، لكثرة ذهابه ومجيئه، وإنما أخذت العارية الشرعية منه، لذهابها ومجيئها بسرعة لمالكها غالبا.
وقيل مأخوذة من التعاور، وهو التناوب، لأن المستعير والمالك، يتناوبان في الانتفاع بها (قوله: لا من العار) أي ليست مأخوذة من العار، وهو العيب.
وقيل مأخوذة منه، لأن طلبها عار وعيب، ورد بأن عين العارية، واو، وعين العار ياء.
وبأنه - صلى الله عليه وسلم - استعار فرسا ودرعا، كما مر، فلو كانت عيبا لما وجدت منه - صلى الله عليه وسلم - (قوله: وهي) أي العارية.
وقوله مستحبة أصالة، أي أن الأصل فيها الاستحباب، وقد يعرض لها غيره، من الوجوب، والحرمة، والكراهة، (قوله: لشدة الحاجة إليها) أي العارية (قوله: وقد تجب) أي العارية، أي وقد تحرم، وقد تكره، وقد تباح، كما علمت (قوله: كإعارة ثوب) أي كإعارة المالك الثوب، وهو تمثيل للوجوب، (وقوله: توقفت صحة الصلاة عليه) أي على الثوب، والجملة صفة الثوب، أي ثوب توقفت صحة الصلاة عليه
(١) سورة المائدة، الاية: ٢.
(٢) سورة الماعون، الاية: ٧.