فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لا تقولى هكذا يا أمّ سَلَمة ولكن قولى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} سورة ق: ١٩.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنى يحيَى بن المنذر من ولد أبى دُجانة قال: قالت أمّ سَلَمة بنت أبي أميّة: جَزعْتُ حين مات الوليد بن الوليد جزعًا لم أجْزَعْه على ميّت فقلتُ لأَبْكِيَنَّ عليه بكاءً تحدّث به نساءُ الأوس والخزرج، وقلتُ غريبٌ توفّى في بلاد غُربة، فاستأذنتُ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأذن لى في البكاء، فصنعتُ طعامًا وجمعتُ النساء. فكان ممّا ظهر من بكائها:
يا عينُ فابكى للوليـ … ــــــد بنِ الوَليدِ بن المُغيرَهْ
مثلُ الوليدِ بنِ الوليـ … ـــــــد أبى الوليدِ كفى العشيرَهْ (١)
فلمّا سمع رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: ما اتّخذوا الوليد إلّا حَنانًا.
قال محمد بن عمر: ووَجْهٌ آخر فى أمر الوليد أو مَن قاله منهم ورواه إلّا أنّ الأوّل الذى ذكرناه أثْبَتُ من هذا، قالوا: إنّ الوليد بن الوليد أفلت هو وأبو جَنْدَل ابن سهل بن عمرو من الحبس بمكّة فخرجا حتى انتهيا إلى أبى بصير، وهو بالساحل على طريق عير قريش، فأقاما معه، وسألت قريش رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بأرحامهما ألّا أدخلتَ أبا بصير وأصحابه فلا حاجةَ لنا بهم. فكتب رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلى أبى بصير أن يقدم ويقدم أصحابه معه، فجاءه الكتاب وهو يموت فجعل يقرأ فمات وهو فى يده، فقَبَرَه أصحابُه هناك وصلّوا عليه وبَنَوْا على قبره مسجدًا، وأقبل أصحابه إلى المدينة وهم سبعون رجلًا فيهم الوليد بن الوليد بن المغيرة، فلمّا كان بظَهْرِ الحَرّة عثر فانقطعت إصبَعُه فربطها وهو يقول:
هَلْ أنْتِ إلّا إصْبَعٌ دَميتِ … وفى سبيلِ الله ما لَقيتِ
فدخل المدينة فمات بها، وله عقب منهم أيّوب بن سَلَمة بن عبد الله بن الوليد ابن الوليد. وكان الوليد بن الوليد سمّى ابنَه الوليدَ فقال رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما اتخذتم الوليد إلّا حَنانًا، فسمّاه عبد الله.
قال محمد بن عمر: والحديث الأوّل أثْبَتُ عندنا من قول مَن قال إنّ الوليد كان مع أبي بَصير.
(١) مختصر تاريخ ابن عساكر ج ١٠ ص ٨٣.