المال لا يمسكُ في يده شيئًا، وإنما عزلتَ خالد بن الوليد لأنه كان يُعطي الناس دُونَك! فقال عمر: إِنّ سماحَ عياض في ذات يده حتى لا يُبقي منه شيئًا فإذا بلغ مالَ الله لم يُعط منه شيئًا، مع أني لم أكُنْ لأعزلَ أميرًا أمَّرَهُ أبو عُبَيْدة بن الجَرّاح وأَبَى إلّا توليتَهُ فرأى من عياض كل ما يحب (١).
فكان عَلَى حِمْص، فكان إذا غزا الشام وجهًا فَغَنِم رجع إلى حِفْص، وكان افتتاح الجزيرة والرُّهَا وحَرَّان والرِّقّة على يديه سنة ثمان عشرة، صالحهم صلحًا وكتب بينهم كتابًا، ووضع الخراج على الأرض فكان ينظر إلى الأرض وما تحمل فيضعُ عليها، ومنها أَرْضُ عُشْر لا يجاوزُ به غَيْرَه. وأبطأ بالخراج عن وقته فكتب إليه عمر بن الخطاب:
إنك قد أبطأتَ بالخراج عن وقته، وقد عرفتَ موقعَ الخراج من المسلمين، وأَنه قوةٌ لهم على عدوهم، ولفقيرهم وضعيفهم، وقد عرفتَ الموضعَ الذي أَنَا بِهِ وَمَنْ معي من المسلمين، إنما هو كَرِشٌ مَنْثُورٌ (٢)، فاجددْ في أخذ الخراج في غير خَرَقٍ وَلَا وَهْنٍ عنهم.
فلما جاء كتابُ عمر أَخَذَهم بالخراج أَشَدَّ الأَخْذ، حتى أقامهم في الشمس ونال منهم، ثم جَمَع الخراجَ في أيام، فحمله إلى عمر (٣).
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أَبِي سَبْرَة، عن موسى بن عُقْبَة، قال: لمَّا وَلِيَ عياضُ بن غَنْم قدِمَ عليه نفرٌ من أهل بيته يطلبون صِلَتَه ومعروفه، فلقيهم بالبِشر وأنزلهم (٤) وأكرمهم، فأقاموا أيامًا، ثم كلَّموه في الصِّلَة وأخبروه بما تَكلَّفوا من السفر إليه رجاءَ معروفِه، فَأَعْطَى كلَّ رجلٍ منهم عشرةَ دنانير، وكانوا خمسةً، فَرَدُّوها وتَسَخَّطُوا ونالوا مِنْه، فقال: أيّ بني عمّ، والله ما أنكر قرابتكم ولا حقّكم وَلَا بُعْدَ شُقَّتِكم، ولكن والله ما خَلَصتُ إلى ما وصلتُكم به إِلّا ببيع خادمي وبيعِ ما لا غِنَى بي عنه، فاعذروني، قالوا:
(١) الخبر لدى ابن عساكر في تاريخه مختصر ابن منظور ج ٢٠ ص ٦٣ وما بين الحاصرتين منه.
(٢) كَرِشُ الرجل: عياله من صغار ولده. وعليه كَرش منثورة: أي صبيان صغار.
(٣) أورده ابن عساكر في تاريخه كما في مختصر ابن منظور.
(٤) لدى ابن عساكر "وأبرَّ لهم".