فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: يرحمك الله! فقال عمر بن الخطّاب: وَجَبَتْ والله يا رسول الله، فقال رجلٌ من القوم: لولا مَتَّعْتَنَا به يا رسول الله. فاستُشهِدَ عامر يوم خَيبر (١). ذهب يضرب رجلًا من المشركين فرجع السيف فجرح نفسه فمات فحُمِلَ إلى الرجيع فقُبرَ مع محمود بن مَسْلَمة في قَبْر في غَارٍ. فقال محمد بن مسلمة: يا رسول الله أقْطِع لي عند قبر أخي، فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، لك حُضْرُ (٢) الفَرَسِ فإن عملتَ فلك حُضر فرسين. فقال أسيد بن حُضير: حَبِطَ عَمَلُ عامر، قتل نفسه. فبلغ ذلك رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فقال: كذب مَن قال ذلك، إنّ له لأجْرَينِ، إنّه قُتِلَ جاهدًا مُجاهِدًا، وإنّه ليعوم في الجنّة عَوْمَ الدُّعُمُوص (٣).
قال: أخبرنا حمّاد بن مَسْعَدَة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع أنّ رجلًا قال لعامر: أسْمِعْني من هُنَيّاتك، وكان عامر رجلًا شاعرًا، قال فنزل يحدو ويقول:
اللهمّ لولا أنْتَ ما اهتَدَينا … ولا تَصَدّقْنا ولا صَلّينا
فاغفِرْ فداءً لك ما اقتَنَينا … وَثَبّتِ الأقْدامَ إنْ لاقَيْنا
وَألْقِيَنْ سَكينَةً عَلَيْنا … إنّا إذا صِيحَ بنا أتَيْنا
وبَالصّياحِ عُوّلوا عَلَيْنا
فقال النبيّ، - صلى الله عليه وسلم -: مَن هذا الحادي؟ قالوا: ابن الأكْوع، قال: يرحمه الله! فقال رجل من القوم: وَجَبَتْ يا نبيّ الله لولا متَعْتَنا به.
قال: فأُصيبَ يومَ خَيبرَ، ذهب يضرب رجلًا من اليهود فأصاب ذُباب السيف عين رُكبته فقال الناس: حَبِطَ عَمَلُ عامر، قتل نفسَه. قال فجئتُ إلى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، بعد أن قدم المدينة وهو في المسجد فقلتُ: يا رسول الله يزعمون أنّ عامرًا حَبِطَ عَمَلُه، قال: مَن يقوله؟ قلت: رجالُ من الأنصار منهم
(١) الخبر مع الأبيات لدى الواقدي في المغازي ص ٦٣٨ وكذلك لدى ابن الأثير في أسد الغابة.
(٢) لدى ابن الأثير في النهاية (حضر) الحُضْر: العَدْوُ ومنه الحديث "أنه أقطع الزبير حُضْرَ فرسه بأرض المدينة".
(٣) أي أنه سَيَّاحٌ في الجنة دَخَّال في منازلها لا يُمنَع من موضع (النهاية) وانظر مغازي الواقدي ص ٦٦٢.