سعيد بن العاص هو أطوع النَّاس عند أهل الشام، فارفق به وأكرمه يصلح لك أمره. الزم عهدى ووصيتى ولا تلقى هذا الكلام منك بظهر.
أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أَبِي سَبْرَة عن مروان بن أبي سعيد بن المعلَّى قال: قال معاوية ليزيد وهو يوصيه عند الموت: يا يزيد: اتق الله، فقد وَطَّأْتُ لك هذا الأمر، ووليت من ذلك ما وليتُ، فإنْ يكُ خيرًا فأنا أسعدُ به، وإن كان غيرَ ذلك شقيتُ به، فارفق بالناس (١)، وأغض عما بلغك من قول تؤذى به وتنتقص به، وطَأْ عليه يهنك عيشك وتصلح لك رعيتك.
وإياك والمناقشة وحمل الغضب فإنك تهلك نفسك ورعيتك، وإيّاك وَجَبْهَ أهل الشرف واستهانتهم والتكَبُّر عليهم، لِنْ لهم لِينًا لا يَرون منك ضعفًا ولا خورًا، وأوطئهم فَرْشك وقَرّبهم فإنه يُعلمَ لك حقّك، ولا تَهِنْهُم وتَسْتَخِفّ بحقهم فيهينونك ويستخفّون بحقك ويقولون فيك.
فإذا أردت أمرًا فادع أهل السِّنّ والتجربة مِن أهل صنائعى والانقطاع إليَّ، فشاوِرهم ثمّ لا تخالفهم، وإياك والاستبداد برأيك، فإن الرأى ليس في صدر واحد. أصدق مَن أشار عليك حتَّى يجيبك على ما يعرف، ثم أطعه فيما أشار به، واخزن ذلك عن نسائك وخَدَمك.
وَشَمِّر إِزَارَك، وتعاهدْ جُنْدَك، وأصلح نفسك يصلح لك النَّاس، لا تَدَع لهم فيك مقالًا، فإن النَّاس سِراع إلى الشرّ، واحضر الصلاة، فإنك إذا فعلتَ ما أوصيتك به عُرِفَ لك حقك، وَعُظِّمت مع مملكتك.
وَشَرِّف أهلَ المدينة ومكة، فإنهم أصلُك وعشيرتُك ونسبُك، وَشَرِّف أهلَ الشام، فإنهم أنصارُك وحُمَاتُك وجندُك الذين تصولُ بهم أهل طاعة. واكتب إلى أهل الأمصار بكتاب تعدهم منك المعروفَ، فإن ذلك يبسط آمالَهم، ووفّد عليك من الكُوَر (٢) كلّها، فأحسن إليهم وأكرمهم فإنهم لمن وراءَهم، ولا تسمعن قول قَارِفٍ (٣) وَلَا مَاحِل (٤)، فإنى رأيتهم وزراء سوء.
(١) انظره لدى الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٥٩ من رواية الواقدي.
(٢) الكورة: الصُّقْع، والبقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال.
(٣) قَارَفَ الشئَ: قارَبَه وخالطه. يقال: قارف فلان الذنب والخطيئة.
(٤) مَحِل إلى ذى السلطان: كاد له بسعاية.