أغمى على معاوية في مرضه الذي مات فيه، فقالت ابنته رملة أو امرأة من أهله متمثلة شعرًا للأَشْهَب بن رُمَيْلَة النَّهْشَلِيّ يمدح القُباع وهو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومى:
إنْ مات مات الجُود وانقطع النَّدَى … من النَّاس إِلَّا من قليل مُصَرَّدِ
وَرُدَّتْ أَكُفُّ السائلين وأمْسَكُوا … من الدِّين والدنيا بخُلْفٍ مُجَدَّدِ (١)
قال: أخبرنا عليّ بن محمّد عن محمّد بن الحكم عمّن حدثه أن معاوية لمّا احتضر أوصى بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال، كأنه أراد أن يَطِيبَ له، لأن عمر بن الخطّاب قاسَم عُماله (٢).
قال: أخبرنا علي بن محمّد عن سليمان بن المغيرة حُمَيد بن هلال عن أَبِي بُرْدَة بن أبي موسى قال: دَخلتُ عَلَى معاوية حين أصابته قَرْحَتُه فقال: هَلُمَّ ابنَ أَخِى، تَحَوَّل فانظر. فتحولت فنظرت فإذا هي قد سُبِرَتْ (٣).
أخبرنا أبو عُبيد عن أبي يعقوب الثَّقَفِيّ عن عبد الملك بن عمير قال: لمّا ثقل معاوية، وتحدث النَّاس أنه بالموت، قال لأهله: احشوا عينى إثمِدًا، وأوسِعوا رأسى دهنًا. ففعلوا وبَرَّقُوا وجهه بالدّهن، ثمّ مُهِّدَ له فجلس، ثمّ قال: ائذنوا للناس فليسلموا قيامًا ولا يجلس أحد، فجعل الرجل يدخل فيسلم قائمًا فيراه مُتَكَحِّلًا مدهنًا فيقول: يقول النَّاس: هو لِمَا (٤) به، وهو أَصَحُّ النَّاس، فلمّا خرجوا مِن عنده قال معاوية:
وَتَجَلُّدِى للشَّامِتِينَ أرِيهم … أَنِّي لِرَيب الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ
وَإذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا … أَلْفَيْتَ كُلُّ تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ
(١) البيتان لدى البلاذرى في أنساب الأشراف، ج ٤ ص ١٥٣، والطبرى في تاريخه ج ٥ ص ٣٢٧، ومختصر ابن عساكر لابن منظور ج ٢٥ ص ٨٥، ومطلع البيت الأول فيها جميعا "إذا مُتُّ" وأمام هذين البيتين في حاشية الأصل "المصرد: المقلل المنغص. والخلف ثدى الناقة. والمجدد: الذاهب اللبن، يقال ناقة جدود إذا ذهب لبنها".
(٢) انظره لدى الطبري في تاريخه، ج ٥ ص ١٢٧.
(٣) انظره لدى الطبري في تاريخه ج ٥ ص ٣٣٢.
(٤) كذا في الأصل ومثله في مختصر ابن عساكر لابن منظور. ولدى الطبري وهو ينقل عن ابن سعد "لِمآبه".