بعُكَاظ يقوم صُبحَ (١) ليلة هلال ذى القعدة عشرين يومًا ويحضرها العرب، وبها ابْتَعتُ زَيْدَ بن حارثة لِعَمّتى خديجة بنت خُوَيْلِد، وهو يومئذ غلام، فأخذته بستمائة درهم، فلما تزوّج رسول، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خديجةَ سألها زيدًا فَوَهَبتْه له، فأعتقه رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبها ابتعتُ حُلَّةَ ذِى يَزن فكسوتُها رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فما رأيت أحدًا قط أجمل ولا أحسن من رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في تلك الحُلَّة (٢).
ويقال إِنَّ حَكِيم بن حِزام قدم بالحُلَّة في هدنة الحُدَيْبية وهو يريد الشام في عِيرٍ، فأرسل بالحلة إلى رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَبَى رسولُ الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن يقبلها وقال: لا أقبل هَدِية مُشْرِك. قال حكيم: فجزعتُ جَزَعًا شديدًا حيث ردَّ هديتى، فخرجتُ فبعتها بسوق النَّبَط مِن أول سائِمٍ سَامَنِى، وَدَسَّ رسولُ الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إليها زَيْد بن حارثة، فاشتراها فرأيتُ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يلبسها بَعْدُ (٣).
قال: وكان سوق مَجَنَّةَ يقوم عَشْرَة أيام حتى إذا رأينا هلال ذى الحجة انصرفنا إلى سوق ذى المجاز فتقوم ثمانية أيام (٤).
وكل هذه الأسواق ألقَى بها رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في المواسم يستعرض القبائل، قبيلةً قبيلةً، يدعوهم إلى الله، فلا أرى أحدًا يستجيب له، وأسرته أشد القبائل عليه، حتى بعث الله له قومًا أراد بهم كرامَتَه، هذا الحَيّ من الأنصار، فبايعوه وصَدَّقوا به وآمنوا به وبذلوا أنفسهم وأموالهم له، فجعل الله له دار هجرةٍ ومَلْجَأ، وسَبَقَ مَن سَبَقَ إليه، فالحمد لله الذي أكرم محمدًا بالنبوة ورزقه الله دار هجرة.
فحج معاوية، فسامنى بدارى بمكة، فَبِعْتها منه بأربعين ألف دينار، فبلغنى أن ابن الزبير يقول: مَا يَدْرِى هذا الشيخُ مَا بَاعَ، لَيُرَدَّن عليه بيعُه، فقلت: والله
(١) كذا في الأصل ومثله لدى الزبير بن بكار في الجمهرة ص ٣١٧، والمزى ج ٧ ص ١٧٥، وقرأها محقق ط "صبيح".
(٢) الخبر لدى الزبير بن بكار في الجمهرة ص ٣٦٧، والمزى ج ٧ ص ١٧٥.
(٣) كذا في الأصل ومثله لدى الزبير بن بكار ص ٣٦٨، والمزى ج ٧ ص ١٧٦، وقرأها محقق ط "بَعْدَهُ" وهو تحريف. والخبر في الجمهرة ص ٣٦٨، والمزى ج ٧ ص ١٧٥.
(٤) الجمهرة ج ١ ص ٣٦٨، والمزى ج ٧ ص ١٧٦.