الكلام القبيح من غير أن ينطق بالرِّدّة ووقف يتربَّص، وقال: تقف أموالنا بأيدينا ولا ندفعها ونكون من آخر الناس (١).
قال: وبايع زيادٌ لأبي بكر بعد الظهر إلى أن قامت صلاة العصر، فصلّى بالناس العصرَ، ثم انصرف إلى بيته، ثم غدا على الصدقة من الغد كما كان يفعل قبل ذلك، وهو أقوى ما كان نفسًا وأشدّه لسانًا، فمنعه حارثة بن سُراقة بن مَعْدِيكَرِب الكندي أن يصدق غلامًا منهم، وقام فَحَلَّ عقال البكرة التي أخذت في الصدقه وجعل يقول:
يمنعها شيخٌ بخدَّيه الشّيْبْ … مُلَمَّعٌ كما يُلَمَّعُ الثوبْ
ماضٍ على الرَّيْبِ إذا كان الريبْ
فنهض زياد بن لبيد وصاحِ بأصحابه المسلمين، ودعاهم إلى النُّصرة لله وكتابه. فانحازت طائفةٌ من المسلمين إِلى زِياد، وجعل مَن ارتد ينحاز إلى حارثة، فكان زياد يقاتلهم النهار إلى الليل فقاتلهم أيامًا كثيرة (٢).
وضوى إلى الأشعث بن قيس بشرٌ كثير، فتحصَّن بمن معه ممن هو على مثل رأيه في النُّجَيْر، فحاصرهم زِياد بن لَبِيد وقذف الله الرعب في أفئدتهم، وجَهدَهم الحِصَار، فقال الأشعث بن قيس: إلى متى نقيم بهذا الحصن قد غَرِثنا (٣) فيه وغَرِث عيالُنا، وهذه البعوث تقدم عليكم ما لا قِبَل لنا به، والله للموتُ بالسَّيف أحسن من الموت بالجوع، ويؤخذ بِرَقَبة الرجل فما يصنع بالذُّرِّية، قالوا: وهل لنا قوة بالقوم؟ ارتأى لنا فأنت سيدنا. قال: أنزل فآخذ لكم أمانًا تأمنون به قبل أن تدخل عليكم هذه الأمداد ما لا قِبَلَ لنا به ولا يدان (٤).
قال: فجعل أهل الحصن يقولون للأشعث: افعل فخذ لنا الأمان، فإنه ليس
(١) مختصر ابن عساكر - من رواية ابن سعد أيضًا - ج ٤ ص ٤١٢.
(٢) الطبري ج ٣ ص ٣٣٢، ومختصر ابن عساكر ج ٤ ص ٤١٢ - ٤١٣ نقلًا عن ابن سعد.
(٣) الغرث: الجوع.
(٤) مختصر ابن عساكر ج ٤ ص ٤١٣ نقلًا عن ابن سعد.